الثقافة والتراث والهوية

Størrelse: px
Starte visningen fra side:

Download "الثقافة والتراث والهوية"

Transkript

1 دراسات في الثقافة والتراث والهوية شريف كناعنة حققه ونقحه وأعده للنشر مصلح كناعنة مواطن املؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية رام الله - فلسطني 2011

2 Studies in Culture Folklore and Identite by Sharif Kanaana Copyright: MUWATIN - The Palestinian Institute for the Study of Democracy P.O.Box: 1845 Ramallah, Palestine 2010 ISBN: This book is published as part of an agreement of cooperation with the Ford Foundation, Cairo جميع احلقوق محفوظة مواطن املؤسسة الفلسطينية لدراسة الدميقراطية ص.ب 1845 رام الله فلسطني هاتف: فاكس: البريد اإللكتروني: muwatin@muwatin.org 2011 يصدر هذا الكتاب ضمن اتفاقية تعاون مع مؤسسة فورد القاهرة تصميم وتنفيذ مؤسسة ناديا للطباعة والنشر واإلعالن والتوزيع رام الله - هاتف ما يرد في هذا الكتاب من آراء وأفكار يعبر عن وجهة نظر املؤلف وال يعكس بالضرورة موقف مواطن املؤسسة الفلسطينية لدراسة الدميقراطية.

3 احملتويات استهالل تقدمي القسم األول: مدخل: عالقة املؤلف مبوضوعه لقد كنت حاضرا أمناط في حياتي القسم الثاني: الثقافة: وسيلة اإلنسان للتأقلم مع بيئته أصل األسرة عند اإلنسان اإلنسان واحليوان حتت احلصار مفاهيم أساسية في الثقافة سيكولوجية التغير االجتماعي التحديث والعائلة املمتدة تأثيرالتغييراالجتماعي واالقتصادي على أوضاع املرأة في الضفة الغربية األذن العربية والعني األمريكية دراسة في دور احلواس في الثقافة نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي القسم الثالث: التراث: بني الفوضى وتأكيد الهوية الفلكلور: ما هو الفوضى الفولكلورية مبادئ جذرية في فهم علم الفولكلور

4 مميزات املادة الفولكلورية احلركة الفلكلورية واحلركة الوطنية الفلسطينية احلركة الفلكلورية الفلسطينية.. تطل عات مستقبلية تراثنا الشعبي على الساحة الدولية جرانكفست والفلكلور والهوية الوطنية الفلسطينية دور توفيق كنعان في تطو ر احلركة الفلكلورية الفلسطينية الثقافة املادية الشعبية والفنون الشعبية كيفية دراسة التراث الشعبي املادي أنواع الثقافة والفنون الشعبية املادية ومناذج منها الطعام الشعبي أمناط التغير في أنواع الطعام في قرية فلسطينية دليل التراث غير امللموس في متحف فلسطيني مقترح الطابون الثقافة وقوانني الطوشة في قرية فلسطينية احلكاية الشعبية معلما حضاريا حول كتابة القصة لألطفال ألعاب األطفال والتغير االجتماعي في قرية فلسطينية الترابط بني األمثال الشعبية واألبعاد االجتماعية دور املرأة في أساطير االنتفاضة أقاصيص شعبية من االنتفاضة النكتة الفلسطينية في حرب اخلليج النكتة والقصة املضحكة في االنتفاضة

5 النكتة السياسية الفلسطينية حول املسيرة السلمية القسم الرابع: الهوية: تشخيص املخاطر ووصف العالج الثقافة ومستقبل الهوية الفلسطينية نحو دولة فلسطني املتخيلة اللجوء والهوية والصحة النفسية االنعكاسات االجتماعية املتوقعة الستيعاب الالجئني في الدولة الفلسطينية الهوية والتعايش دور العائلة الفلسطينية في احلفاظ على الهوية نحو تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية املراجع

6

7 استهالل ي س ر مواطن املؤسسة الفلسطينية لدراسة الدميقراطية أن تقوم بنشر مجموعة من املقاالت والدراسات لألستاذ الدكتور شريف كناعنة أستاذ علم االجتماع وعلم اإلنسان في جامعة بيرزيت التي تعطي فكرة عن بعض أعماله ودراساته املتعلقة بفلسطني. وهي ال تشكل ج ل ما نشره الدكتور كناعنة بالعربية اضافة الى االجنليزية ولكنها تشكل عي نة عن توجه أبحاثه واجلوانب التي سعت إلى معاجلتها. وكل من يعرف إنتاج الدكتور كناعنة يعرف أنه ريادي في هذا احلقل وأن إنتاجه من دراسات وأبحاث ومقاالت متنوعة أغنت حقل الدراسات األنثروبولوجية مبعناها األعم أي تداخلها مع علم النفس وعلم االجتماع والعلوم االجتماعية عامة. ولكون هذه الدراسات واألبحاث واملقاالت نشرت في مجالت متعددة ومتنوعة ليست جميعها في متناول القارئ فإن وجودها في كتاب واحد يسعف ألغراض عملية اإلطالع عليها واإلفادة منها للدارسني والباحثني والطلبة في اجلامعات ولغرض اجلمهور العام أيضا. ولكن هذا العمل يشكل أيضا شهادة عرفان وتقدير ألبرز علماء فلسطني في هذا احلقل ويشكل عينة محدودة من جهد متواصل عبر ما يزيد على أربعة عقود من الزمن.

8 8 دراسات في الثقافة والتراث والهوية ونحن كفلسطينيني يجب أن نفخر بأن الدكتور كناعنة قرر أن يعمل في فلسطني بيننا ومعنا بدال من أن يعمل في إحدى اجلامعات في اخلارج حيث كانت الفرص متوفرة له وأنه أيضا متكن من أن يحقق إنتاجا غزيرا على مستوى عاملي على الرغم من ظروف العمل واحلياة في فلسطني التي ال توفر دائما البيئة املناسبة لإلنتاج العلمي. وعليه نأمل أن يجد القارئ في هذا الكتاب ما يسعف ويلقي الضوء على فهم ظواهر محددة من حياة الفلسطينيني وتفاعلهم مع محيطهم وبيئتهم وما يثري العلوم االجتماعية بعامة. وإذ نكرر الشكر والتقدير للدكتور كناعنة على مجهود حياة بأكملها في خدمة العلم واملعرفة بفلسطني وإسهامه املميز في هذا اجلانب نكرر مرة أخرى أننا نفخر بنشر هذا الكتاب ونتمنى للدكتور كناعنة دوام العطاء. جورج جقمان

9 تقدمي إنه ملن دواعي سروري وافتخاري أن أقدم إلى جمهور القراء العرب هذا الكتاب الذي يحوي بني دفتيه ثالثة وأربعني مقاال مما أل فه عالم اإلنسان وباحث الفلكلور الفلسطيني املعروف الدكتور شريف كناعنة كمحصلة ألربعة عقود من البحث اجلاد والفكر امللتزم. ولقد مت اختيار هذه املقاالت دون غيرها بحكم كونها تدور حول الثقافة والتراث والهوية حيث أن هذه املواضيع الثالثة هي في الواقع جوانب مختلفة لنفس املوضوع أو هي من وجهة النظر الفلسفية ثالثة نظم جتريدية لنفس الواقع اإلنساني واملتخصصون في العلوم اإلنسانية )وفي األنثروبولوجيا وعلم النفس على وجه اخلصوص( يعرفون أن الثقافة والتراث والهوية هي ظواهر إنسانية متداخلة ومتالزمة بحيث ال ميكن الفصل بينها إال حتليليا ولغرض الدراسة والتنظير وأنه ال ميكن تناول أحد هذه املواضيع الثالثة دون التطرق إلى املوضوعني اآلخرين. هذا في احلقيقة هو التفسير والتبرير للنظام الذي اعتمدته في هذا الكتاب فبعد املقالني األوليني اللذين ارتأيت أنهما يعر فان املؤلف ويحددان موقعة بالنسبة ملوضوعه وعالقته الفكرية والنفسية واحلياتية مبا يبحث فيه تأتي بقية املقاالت موزعة إلى ثالث مجموعات يشكل كل منها قسما من األقسام الرئيسية للكتاب: الثقافة والتراث والهوية. وترتيب هذه املواضيع الثالثة بهذا الشكل ليس عفويا

10 10 دراسات في الثقافة والتراث والهوية وإمنا هو نابع من التوجه التحليلي املطروح في مضمون املادة نفسها فمن خالل القراءة املعمقة ملجمل املادة يتضح أن املؤلف يعتبر أن الثقافة هي األساس فالثقافة هي التي متيز اإلنسان عن بقية الكائنات احلية وهي في نفس الوقت احللقة األوسع التي حتتوي في داخلها على كل جوانب وعناصر ومجاالت الواقع اإلنساني امل عاش. ثم يأتي التراث كعنصر مالزم للثقافة ي نتجها وي نتج عنها وهو ذاك العنصر الذي يعطي للثقافة جتسيدا وفاعلية من جهة وثباتا واستمرارية عبر الزمن من جهة أخرى. وعلى هذا األساس من فهم الثقافة والتراث ميكن فهم الهوية فالهوية هي تعريف اإلنسان لذاته )وتعريف اآلخرين له( من خالل انتمائه إلى الوحدات املختلفة التي تكو ن املبنى االجتماعي للمجتمع الذي هو عضو فيه في حني أن الثقافة هي التي حتدد املبنى االجتماعي مبختلف وحداته ومستوياته وهي التي حتدد مواقع األفراد في شبكة العالقات االجتماعية التي تكو ن نظامه االجتماعي. أما التراث فهو مجمل الرموز التي حتمل الهوية ومتث لها وجتسدها وتعبر عنها وهذه الرموز تستمد معانيها وشحناتها العاطفية من الثقافة. وبهذا املعنى نستطيع أن نقول أن التراث يتوسط ما بني الثقافة والهوية فهو يستمد من الثقافة أشكاله ومعانيه فتستمد الهوية منه حدودها ومضامينها. والقسم املخصص للتراث في هذا الكتاب يقع في الواقع في الوسط بني الثقافة والهوية لكي يؤدي هذه الوظيفة ويوصلنا إلى الغاية األسمى التي كرس املؤلف حياته من أجلها أال وهي احلفاظ على الهوية الفلسطينية وحمايتها من األخطار اجلمة التي حتيق بها وتهدد وجودها. إال أن القارئ سيكتشف خالل قراءته لهذا الكتاب أن هذا التقسيم حتليلي وتنظيمي فقط وأن الفصل بني املواضيع الثالثة بهذا الشكل احلاد ال يلغي العالقة املوضوعية الفعلية بينها ال في الواقع اإلنساني امل عاش وال في ذهن الباحث الذي يدرسه ويكتب عنه. ولذلك فسيجد القارئ أن املقاالت املخصصة للثقافة تتطرق إلى التراث والهوية واملقاالت املخصصة للتراث تتطرق إلى الثقافة والهوية واملقاالت املخصصة للهوية تتطرق إلى الثقافة والتراث وما الفصل بينهما إال من باب التركيز على جانب من هذه اجلوانب في كل قسم. ومبا أن هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من املقاالت التي ك تب كل واحد منها على حدة ومبعزل عن املقاالت األخرى فإن التكرار والتداخل وإدخال نص من مقال في مقال آخر هو أمر ال ميكن تالفيه في كثير من األحيان. ولقد حاولت كل ما في وسعي للتقليل من هذا التكرار إلى احلد األدنى إما عن طريق جمع مقالني في مقال واحد أو عن طريق عطف مقال على مقال آخر. وأما ما تبقى في الكتاب من تكرار وتداخل على الرغم من كل هذا اجلهد فعلى القارئ أن يتقبله على أنه مؤشر على الطبيعة اخلاصة للظاهرة املبحوثة ذاتها. إن العديد من املقاالت التي يتضمنها هذا الكتاب كانت قد ألفت باإلجنليزية في األصل ثم ترجمت إلى العربية فيما بعد وقد قام بترجمتها أشخاص مختلفون وليس شخصا واحدا ولذلك فإن لغة هذه املقاالت تختلف من حيث املتانة واألسلوب باختالف املترجم ومقدرته اللغوية وأسلوبه في الصياغة باللغة العربية. ومع أنني

11 تقديم 11 لم أتدخل في نص هذه املقاالت بشكل جذري إال أنني حاولت من خالل بعض التغييرات الطفيفة أن أوح د أسلوبها وأقر بها إلى بعض من حيث املستوى اللغوي بحيث تصبح متشابهة بقدر اإلمكان. أما املقاالت التي كانت قد ألفت بالعربية في األصل فإن أسلوب الكتابة في اللغة اإلجنليزية يطغى في بعض األحيان على النص العربي )خصوصا فيما يتعلق بفصل اجلمل وربطها عن طريق استعمال الفواصل والنقاط وأدوات العطف( وذلك يعود حصرا إلى تعو د املؤلف على الكتابة باإلجنليزية أكثر من تعوده على الكتابة بالعربية وفي مثل هذه احلاالت كان ال بد من إدخال بعض التعديالت الطفيفة من أجل تغيير املبنى اللغوي إلى ما هو مقبول وشائع ومعتاد في اللغة العربية. ثم إن كل من يعرف الدكتور شريف كناعنة عن قرب يعرف أنه ال يستعمل احلاسوب أو اآللة الطابعة بنفسه بل إنه يكتب نصوص محاضراته وأوراقه البحثية بخط اليد ثم يسلمها ألحد معاونيه أو إحدى السكرتيرات في املؤسسات التي يعمل فيها لطباعتها على احلاسوب. ومبا أن هؤالء املعاونني يعيدون كتابة نصوص ليست لهم )وفي بعض األحيان ال يكون املوضوع قريبا من تخصصاتهم( ويفعلون ذلك بشكل آلي محض فإن النصوص املطبوعة التي سلمت إلي إلعداد هذا الكتاب كانت تزخر باألخطاء املطبعية والهجائية إضافة إلى إسقاط الفواصل والنقاط أو وضعها في مواضع خاطئة. ولقد استغرق مني تصحيح هذه األخطاء الكثير من اجلهد والوقت ولن تأخذني املفاجأة إن اكتشف قارئ أنني غفلت عن بعضها سهوا. ومما استغرق مني جهدا كبيرا كذلك توحيد خطوط الطباعة وحجم اخلط وتوزيع الفقرات والهوامش وأسلوب ترقيم البنود وفروعها وغير ذلك. سوف يالحظ القارئ لهذا الكتاب أن هناك فرق شاسع بني املقاالت املنشورة فيه من حيث منهجيتها في طرح املعلومات ومن حيث درجة التعقيد أو التبسيط فيها. فبعض هذه املقاالت هي مقاالت أكادميية منشورة في مجالت علمية مح ك مة وفي هذا النوع من املقاالت يكون احلديث موجها إلى جمهور من األكادمييني املتخصصني الذين يشاركون املؤلف معظم بديهيات حقله ونظريات علمه ومقوالت معرفته ويكون منهجها معتمدا على النقاش النظري التحليلي من أجل اإلقناع الفكري للوصول إلى إثبات بعض احلقائق وتثبيت بعض الفرضيات. ولذا فإن القارئ العادي )أي غير املتخصص أكادمييا في هذا احلقل( يجد بعض الصعوبة في فهم مقال من هذا النوع واستيعاب املقصود منه إن لم يكن هناك ما يفسره ويشرح تفاصيله ويعطي للقارئ ما يحتاجه من بديهيات احلقل ومسلمات املوضوع وهذا كله متوفر بغزارة في بقية مقالت الكتاب ولقد تعمدت أن أضع هذه املقاالت األكادميية املتخصصة في نهاية كل قسم حتى يكون القارئ العادي قد اكتسب ما يحتاجه من املعرفة بأساسيات املوضوع. أما ما تبقى من مقاالت في الكتاب فهي إما نصوص ألوراق قدمها املؤلف كمحاضرات في مؤمترات أو ورشات عمل محلية أو عاملية وإما مقاالت أعدت للنشر في صحف محلية أو مجالت غير مح ك مة

12 12 دراسات في الثقافة والتراث والهوية وباألخص مجلة التراث واملجتمع التي تصدر عن مركز دراسات التراث واملجتمع الفلسطيني ويرأس املؤلف نفسه هيئة حتريرها. في كال هذين النوعني من املقاالت يكون احلديث موجها إلى اجلمهور العام وإلى الناس عامة مبختلف نزعاتهم واهتماماتهم وخلفياتهم املعرفية وتكون الغاية منها إيصال املعلومة من خالل الشرح ونشر املعرفة من خالل التفسير من أجل إحداث التغيير في الواقع فلسطينيا وعربيا وعامليا. هنا تبرز طبيعة الدكتور شريف كناعنة كمعلم مارس التدريس ألكثر من نصف قرن وال يزال وهنا تبرز براعته التي ال تضاهى في تبسيط املعقد وشرح امل ر كب وتفسير الغامض وتعق ب ظواهر احلاضر وعناصره إلى بداية البدايات. إن في هذا الكتاب منفعة ال تقدر بثمن للمهتمني بالثقافة والتراث والهوية كحقل من حقول املعرفة على املستوي النظري وللمهتمني بالثقافة والتراث والهوية الفلسطينية بالذات والعربية بشكل عام ولكل من يريد أن يتعمق في واقع احلالة الفلسطينية ويساهم في رسم مصيرها وبناء مستقبلها. د. مصلح كناعنة 2010/7/29

13 القسم األول مدخل عالقة املؤلف مبوضوعه

14

15 القسم األول مدخل عالقة املؤلف مبوضوعه لقد ولدت في قرية فلسطينية في اجلليل عام 1935, وقريبا سأبلغ السبعني من العمر. وهذا يعني بالنسبة لي أنني كنت وما زلت أعاني فكريا وعاطفيا ورمبا جسديا مما فعله وال يزال يفعله البريطانيون والصهيونيون ضد شعبي طوال سبعني عاما. وما بني ميالدي وحاضري كلما تقدم بي العمر وأصبحت أشد وعيا وأحد إدراكا للظلم املمارس على شعبي بال انقطاع كلما زاد األلم في ذهني وفي روحي. ومع مرور الوقت أصبح ت مشاعر االستياء تسيطر على نظرتي لآلخر وللحياة بشكل عام. و اآلخر الذي هو محط استيائي يتضمن الصهيونية واالنتداب البريطاني أوال والثقافة والعقلية األوروبية االستعمارية ثانيا والهيمنة األمريكية االستعمارية اجلديدة ثالثا وأخيرا ولكن بدرجة ال تقل عن سابقيها. وقولي هذا ال يعني بأي شكل من األشكال أنني أعتقد أن شعبي هو سرب من املالئكة أو أنه أفضل من باقي شعوب العالم. ولكنه شعبي... ولطاملا علمتني ثقافتي أن يدك منك ولو ش لت. )1994(

16

17 * لقد كنت حاضرا إنني في العادة أعر ف نفسي على أنني باحث أكادميي وعالم اجتماع. وبحكم تعريفي الذاتي هذا فقد كتبت وقدمت العديد من املقاالت واألبحاث األكادميية التي كانت في معظمها تتناول موضوعات فلسطينية وتتمحور حول هذا اجلانب أو ذاك من القضية الفلسطينية. ولكنني لم أكتب إطالقا عن مواضيع تهز كياني وتأثر على نفسي بالقدر الذي يفعله موضوع عودة الالجئني الفلسطينيني إلى وطنهم. فهذا املوضوع بالذات ميسني في األعماق إلى درجة يجعلني فيها أشعر بأن مجرد التفكير في تقدمي ورقة موضوعية علمية مجردة هادئة عنه هي من قبيل االشتراك في اللعبة أو من قبيل خداع الذات واآلخر. ولذلك فعوضا عن أن أقرأ لكم ورقة أو ألقي عليكم محاضرة قررت أن أسرد عليكم قصتي أنا شخصيا مع تاريخ ووقائع مشكلة الالجئني الفلسطينيني ومن ثم أطلعكم على نظرتي الشخصية حول تلك املشكلة والفرص املمكنة )أو غير املمكنة( إليجاد حل لها. لقد ولدت في قرية فلسطينية في اجلليل عام 1935, وقريبا سأبلغ السبعني من العمر. وهذا يعني بالنسبة لي أنني كنت وما زلت أعاني فكريا وعاطفيا ورمبا جسديا مما * قدمت هذه الورقة أصال في مؤمتر دولي حول عودة الالجئني: نظرة مقارنة عقد في مركز الالجئني والشتات الفلسطيني شمل- في رام اهلل 8-6 آذار 2004

18 18 دراسات في الثقافة والتراث والهوية فعله وال يزال يفعله البريطانيون والصهيونيون ضد شعبي طوال سبعني عاما. وما بني ميالدي وحاضري كلما تقدم بي العمر وأصبحت أشد وعيا وأحد إدراكا للظلم املمارس على شعبي بال انقطاع كلما زاد األلم في ذهني وفي روحي. ومع مرور الوقت أصبح ت مشاعر االستياء تسيطر على نظرتي لآلخر وللحياة بشكل عام. و«اآلخر«الذي هو محط استيائي يتضمن الصهيونية واالنتداب البريطاني أوال والثقافة والعقلية األوروبية االستعمارية ثانيا والهيمنة األمريكية االستعمارية اجلديدة ثالثا وأخيرا ولكن بدرجة ال تقل عن سابقيها. وقولي هذا ال يعني بأي شكل من األشكال أنني أعتقد أن شعبي هو سرب من املالئكة أو أنه أفضل من باقي شعوب العالم. ولكنه شعبي... ولطاملا علمتني ثقافتي أن يدك منك ولو ش لت. سبعون عاما وأنا أشاهد شعبي يتعرض لعملية بطيئة من اإلبادة العرقية. ولكن في األعوام األخيرة أخذت هذه العملية في التحول إلى حرب إبادة جماعية. عبر كل هذه األعوام السبعني كنت أقوم بدور املراقب لألحداث وليس بدور املشارك فيها. وبحكم ظروف حياتي وطبيعة تدريبي املهني ونشاطي األكادميي تعودت على أن أقف جانبا وأتخذ لنفسي موقف املتفرج الذي يسجل الوقائع بدال من أن أشارك في اللعب السياسية أو العسكرية التي كانت تدور من حولي والتي أدت إلى تدمير شعبي في النهاية. ففي الوقت الذي انتهت فيه ما تسمى االنتفاضة األولى )أي ثورة ال 1936( كنت في اخلامسة من عمري. وما زلت حتى اآلن أستحضر في مخيلتي صورا غير واضحة املعالم ملمارسات التدمير واإلذالل التي كان يقوم بها اجلنود البريطانيون ذوو الشعر األشقر والعيون الزرقاء ضد قريتنا وأهلها. وأستطيع أن أرى في مخيلتي صورة عمي وكان مختار القرية في حينه يتوسل إلى اجلنود أال يدمروا املونة التي كانت موجودة في بيوت أهل القرية ويخلطوا موارد الغذاء الشحيحة املتمثلة في زيت الزيتون والقمح والعدس والفول. وال أزال قادرا كذلك على أن أستحضر صور شباب القرية وهم يحاولون جاهدين أن يكسبوا رضا اجلنود البريطانيني من خالل الظهور مبظهر الودعاء واملساملني فيربطون خيول هؤالء اجلنود ويطعمونها أمام مضافة عمي ثم بعد قليل يجلبون لهم مناسف مليئة باألرز واللحم واللنب تلك األطعمة التي كنا نحن محرومني منها كليا. وإذا كانت مالمح العجز تبدو واضحة على عمي املختار فبإمكانكم أن تتخيلوا كيف كنا نشعر نحن األطفال. استمر اضطهاد جنود االنتداب البريطاني للناس وإذاللهم وحتطيم معنوياتهم حتى عام 1948 وفي هذه األثناء متت تصفية معظم قيادات الشعب الفلسطيني من قبل سلطات االنتداب البريطاني. لقد جاء البريطانيون لنقل احلضارة إلينا وإعدادنا لالستقالل ولكن حني غادرونا بعد ثالثني عاما لم نكن قد وصلنا إلى درجة من التحضر بحيث نقوم بتسليم أراضينا وبيوتنا وممتلكاتنا بصمت وسالم للموجة اجلديدة من الغزاة األوروبيني أي اليهود الصهيونيني األوروبيني. هكذا بدأنا نحن الفلسطينيني مسيرتنا كإرهابيني.

19 لقد كنت حاضرا 19 لقد بدأ االستعمار الصهيوني في فلسطني في منتصف القرن التاسع عشر تقريبا. إال أن الهجمة الصهيونية الكبرى أتت في النصف الثاني من عام 1947 وكنت حينها في الثانية عشرة من العمر فكنت شاهدا حيا على اغتصاب فلسطني. وكان ذلك االغتصاب اغتصابا جماعيا ارتكبه اليهود الصهيونيون تدعمهم و تصفق لهم أوروبا املسيحية... نفس أوروبا املسيحية التي ذبحت اليهود وأرسلت من تبقى منهم إلى الشرق األوسط ألنهم لم يكونوا أوروبيني أنقياء بل ساميني. ومن سخرية األقدار أنه عندما جاء هؤالء اليهود أنفسهم إلى الشرق األوسط استعادوا هويتهم األوروبية وقرروا أن يعيشوا في الشرق األوسط كأوروبيني وعادت أوروبا تصر على أنهم أوروبيون وتستخدمهم كرأس حربة لالستعمار األوروبي اجلديد في بالد املسلمني العرب بالد احلليب والعسل والبترول وفي كل آسيا وأفريقيا. لقد أضحت إسرائيل دولة مرتزقة في خدمة الغرب. على أية حال لقد كنت في الثانية عشرة من العمر حينما مت تكثيف وتصعيد الهجمات اإلرهابية للقوات اليهودية على القرى واملدن الفلسطينية عام 1947 وسرعان ما حتولت هذه الهجمات إلى حملة كاملة لتهجير الفلسطينيني من وطنهم. كنت طفال في الثانية عشرة في ذلك احلني وما زلت أذكر كم كنت خائفا عندما رأيت عشرات اآلالف من الرجال والنساء واألطفال والكالب واحلمير واخليول واألبقار وفي بعض األحيان عددا من الفراخ الصاخبة مربوطة من أرجلها ومحمولة على رأس امرأة أو على ظهر إحدى البهائم... كل هذا احلشد من البشر واحليوانات يهرول عبر قريتنا في حالة من الهلع والفوضى واالرتباك. وكم كان مروعا أن أرى رجاال ونساء بالغني وأصحاء يبكون كاألطفال ويتوسلون من أجل قطعة خبز أو جرعة ماء. كان هؤالء أهل القرى احمليطة بالناصرة وطبريا في طريق نزوحهم شماال نحو احلدود اللبنانية. وأذكر على وجه اخلصوص أهل قرية صفورية ألن لهجتهم كانت تختلف عن لهجة أهل قريتي خاصة املتقدمات في السن من النساء اللواتي كن يلفظن حرف الكاف كالهمزة. لقد كان ذلك املشهد يبث في نفسي أشد الرعب ألنه كان يبدو لي في تلك اللحظة كمشهد يوم احلشر الذي كان يصفه لنا معلم الدين بكل دقة وتفصيل. بعد ذلك بأشهر قليلة جاء دور قريتنا والقرى املجاورة. ولم تكن هناك أية مقاومة في هذه القرى فجيش اإلنقاذ كان قد انسحب في اليوم السابق وأصبح السكان على يقني تام بان كل شيء ضاع وانتهى وبأنه ال جدوى من املقاومة. هنا أتذكر تفاصيل املشهد بوضوح: جاء اجلنود اإلسرائيليون إلى القرية عند بزوغ الفجر من منطقة اجلبال الواقعة جنوبي القرية وكانوا يطلقون النار من أسلحتهم األوتوماتيكية. وما أن سمع أفراد عائلتي والعائالت املجاورة صوت الرصاص حتى استولت عليهم حالة من الذعر واالرتباك وذلك ألن عددا من نساء احلي ومن بينهن أختي الكبرى كن قد خرجن قبل الفجر إلى الهضاب الواقعة شرقي القرية جلمع احلطب ولم يعدن بعد. ولكن وحلسن احلظ عادت أختي واألخريات إلى البيت ساملات بعد برهة وجيزة.

20 20 دراسات في الثقافة والتراث والهوية دخل اجلنود القرية وجمعوا كل الرجال القادرين في مركز البلد وأحاطوا بهم من كل اجلهات وأخذوا يطلقون النار في الهواء بشكل متقطع. ووقف النساء واألطفال على مداخل البيوت في محاولة منهم الستيعاب ما يجري. وكلما أطلق اجلنود الرصاص في الهواء انفجرت حشود النساء واألطفال بصراخ مذعور فقد كانوا يظنون أن اجلنود يقومون بإعدام الرجال. وجلس كبار السن على األرض كل أمام بيته يتابعون ما يجري بصمت ورباطة جأش ويطلبون بني الفينة واألخرى من النساء أن يتوقفن عن الصراخ مطمئنني إياهن بأن األمور ستكون على ما يرام. وكان أبي أحد هؤالء الرجال. لم يكن أبي في الواقع طاعنا في السن فلعله كان في أوائل اخلمسينيات من عمره في ذلك الوقت ولكنه كان قد اعتاد على أن يبدو بسلوكه وتصرفاته وكأنه رجل أكبر سنا مما هو في الواقع لكي يحظى بأكبر قدر من احترام الناس له. ثم حدث أمر في أثناء هذا املشهد أعتقد أنه أقسى وأصعب جتربة مررت بها في حياتي: كان أحد الضباط اإلسرائيليني يجوب أحياء القرية طالبا من كل عائلة أن تسلمه قطعة سالح واحدة على األقل. وكان هذا الضابط معروفا لدى أهل القرية وكانوا يدعونه اخلواجة غزال )أو أبو غزال ال أذكر بالضبط(. فقبل اندالع القتال كان اخلواجة غزال هذا يأتي إلى القرية ليشتري املاشية من أهل البلد وقد تناول العديد من الوجبات في مضافة عمي املختار. ولذلك توقع والدي أن يكون لدى هذا اخلواجة حد أدنى من الشعور باالمتنان وأن يبدي بعض االحترام لقاء األيام اخلوالي. إال أن الضابط تقدم نحو والدي شاهرا مسدسه وهو يصرخ ويتوعد ويهدد بإطالق النار طالبا من والدي أن يسلمه مسدسا. بقي والدي جالسا محاوال اإلبقاء على رباطة جأشه وكرامته فتقدم منه اخلواجة غزال وصفعه على طرف رأسه صفعة أوقعت حطته وعقاله. ثم فقد اخلواجة غزال األمل وانتقل إلى البيت التالي. إنني في الواقع اشك في مقدرة العديدين على استيعاب ما تعنيه تلك احلادثة بالنسبة لي! أنا اآلن في التاسعة والستني وعلى الرغم من ذلك فإنني ما زلت حتى اآلن أبكي وتنهمر دموعي كلما تذكرت تلك احلادثة. جاءت حافالت كبيرة إلى القرية الحقا في ذلك اليوم ومت حتميل الرجال في احلافالت ونقلهم إلى مكان مجهول. وبدت القرية كأنها تصرخ وتنوح لساعتني أو أكثر ثم خيم عليها احلزن والسكون. وتبني لنا فيما بعد أن الرجال لم ي ؤخذوا لإلعدام كما حصل في قرى أخرى بل نقلوا إلى معسكرات السخرة حيث مت احتجازهم لفترات تراوحت بني عام وثالثة أعوام. وبقيت عائلتي كبقية أهل القرية في ما أصبح يعرف بإسرائيل. وأصبحنا ن عرف بعرب إسرائيل أو عرب ال 48. وبقي منا في البالد حوالي 150 ألفا فقط من بني املليون فلسطيني الذين كانوا يقطنون البالد حتى عام 1948 أما الباقون فقد أرغموا على النزوح إلى الدول العربية املجاورة.

21 لقد كنت حاضرا 21 و ض ع الذين بقوا في البالد حتت احلكم العسكري وأخضعوا للعزل ومحاوالت التذليل والترويض مثلما يحدث لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة اآلن ولكن بشكل أشد ضراوة وقسوة. وملا أصبحوا شبه مذللني ومرو ضني مت استخدامهم للعمل في بناء بيوت اليهود اإلسرائيليني وزراعة محاصيلهم. وكانت الغالبية العظمى من احلجارة التي كانت تستعمل لبناء منازل اليهود ت نتزع من البيوت املدمرة في القرى واملدن الفلسطينية املجاورة التي مت إخالؤها قبل بضعة أعوام أما احلقول التي كان هؤالء العمال العرب يفلحونها ملالكيها اجلدد من اليهود اإلسرائيليني فكانت ملكا للفلسطينيني العرب الذين طردوا من أراضيهم قبل ذلك بأعوام قليلة. وفي الكثير من احلاالت كان العمال الذين يقومون بهدم بيوت القرى العربية املدمرة ونقل حجارتها إلى مشاريع اإلعمار اليهودية اجلديدة يعرفون شخصيا أصحاب هذه البيوت ولرمبا شاءت الصدف في بعض احلاالت أن يكون أصحاب هذه البيوت من بني أصدقائهم أو أقربائهم. كذلك كان احلال بالنسبة للحقول التي كان العمال العرب يفلحونها للمستوطنات اليهودية اجلديدة. وكان العمل في فرعي البناء والزراعة هو العمل الوحيد املتوفر للعرب الذين بقوا في الدولة اجلديدة والذين كانوا في غالبيتهم من القرويني. ولم تكن ظروف هؤالء العمال بأفضل من ظروف عمل أولئك الرجال الذين مت نقلهم إلى معسكرات السخرة عشية قيام الدولة باستثناء فارق وحيد وهو أن معسكرات نوم هؤالء العمال كانت بيوتهم وقراهم هم أنفسهم. فالعمال من كال النوعني كانوا يتعرضون لالزدراء والتحقير والقمع واإلذالل وكانوا بنوعيهم سكانا أصليني )Natives( أرغموا على العمل كعبيد لدى أسياد كانوا هم أنفسهم قد حترروا للتو من العبودية ألسيادهم األوروبيني. عاش من بقوا في الوطن من الفلسطينيني في ظروف مرعبة ولكن مبا أنهم كانوا يشكلون أقلية ضئيلة تعيش وسط جو مشحون بالعداء والعنصرية ومبا أنهم كانوا معزولني كليا عن العالم اخلارجي فإنه لم يتمكن أحد قط من اكتشاف ما قد مروا به من معاناة. كان حوالي الثلث من العرب الذين بقوا في إسرائيل الجئني داخليني أو - حسب العبارة املستوحاة من سجالت القانون اإلسرائيلي - حاضرين-غائبني. هؤالء هم قرويون كانوا قد نزحوا عن قراهم ووصلوا إلى إحدى القرى املجاورة التي ال تبعد سوى بضعة كيلومترات عن قريتهم األصلية أو أنهم اختبئوا في احلقول واجلبال القريبة لكي يتجنبوا ما كان ينزله اجليش اإلسرائيلي من ويالت بأهل القرى التي كان يحتلها. وحلقتهم احلرب وأمسكت بهم فظلوا حيثما كانوا وحتولوا إلى مواطنني إسرائيليني فيما بعد. وبعد النزوح بفترة قصيرة حاول البعض من هؤالء املهجرين أن يعودوا إلى بيوتهم في قراهم األصلية أو أن يعودوا لزراعة بعض احملاصيل في أراضيهم فأطلق اإلسرائيليون عليهم تعريف املتسللني فكان هذا التعريف بحد ذاته كافيا لتسويغ قتلهم مبجرد اكتشاف وجودهم. وفي النهاية

22 22 دراسات في الثقافة والتراث والهوية استسلم هؤالء املهجرون واستقروا خارج قراهم األصلية ولم يحاولوا حتى املطالبة بإعادة توطينهم في قراهم بل إنهم كانوا يتحاشون التعريف عن أنفسهم ألال ينكشف أمرهم ويتم طردهم من الدولة. بعد حني التحقت باملدرسة الثانوية البلدية في الناصرة ثم تخرجت منها وعملت كمدرس في مدرسة ابتدائية في قرية بدوية. وكان جهاز التعليم في املدارس العربية آنذاك يدار رسميا من قبل وزارة املعارف إال أنه في الواقع العملي كان )وال يزال إلى حد بعيد( يدار من قبل جهاز املخابرات اإلسرائيلي الشني بيت. وكان معظم املدراء والعديد من املعلمني في املدارس االبتدائية العربية يعملون كمخبرين جلهاز املخابرات لقاء حصولهم على وظائفهم دون أن تكون لديهم املؤهالت املطلوبة. وقد شاعت في الوسط العربي آنذاك طرفة حول ذلك الوضع في جهاز التعليم مفادها أن طالبي وظيفة التدريس في املدارس العربية كانوا يبصمون على الطلب ألنهم لم يكونوا قادرين على كتابة أسمائهم. وكمدرسني كنا جن ب ر بالقوة على االحتفال بعيد استقالل إسرائيل وكنا جنب ر على أن جنب ر طالبنا على االحتفال بهذه املناسبة أما من لم يظهر حماسا كافيا في الرقص والغناء من بني املدرسني فكان يفقد وظيفته بعد وقت قصير. وعلى الرغم من مرور أربعني عاما فما زلت أذكر األبيات األولى من إحدى األناشيد التي كان يغنيها املدرسون والطالب العرب في ذلك احلني حيث يقول البيت األول: بعيد استقالل بالدي قلبي فرحان غني يا طير الشادي وقول األحلان. كان العمل في جهاز التعليم العربي مجحفا إلى درجة لم أستطع معها االستمرار في وظيفتي وقتا طويال وفي نهاية األمر تركت الوظيفة وغادرت البالد إلى الواليات املتحدة وحقيقة األمر أن الدفع من الداخل كان أقوى بكثير من اجلذب نحو اخلارج. وفي الواليات املتحدة انتقلت من فرع إلى آخر من فروع العلم إلى أن استقر بي األمر في علم اإلنسان )األنثروبولوجيا( ومكثت فيه إلى أن حصلت على الدكتوراة. وكان أن أدى تخصصي هذا في األنثروبولوجيا إلى تعزيز وتدعيم وتسويغ ميلي إلى املراقبة عن بعد واالنسحاب إلى مكان آمن حني تستاء األمور. ولقد تعلمت من خالل تخصصي العلمي هذا أن أراقب السكان األصليني دون أن أتدخل في شؤونهم لكي ال ألوث أو أدنس احلقل. في عام 1975 حصلت على وظيفة في جامعة بيرزيت حيث ال زلت أعمل. ومنذ ذلك احلني وأنا أراقب املشهد الفلسطيني وأدرسه وأكتب عنه دون أية محاولة للتدخل أو تلويث احلقل. لقد راقبت عملية التدمير البطيء واملنظم لشعبي ومجتمعي وثقافتي وتراثي ملدة تقرب من سبعني عاما. وقد ساعد تدريبي في األنثروبولوجيا على أن أعي هذه العملية بشكل أفضل أما قراءاتي لألدبيات من مختلف أرجاء العالم فقد جعلتني أدرك أن ما يحدث للفلسطينيني ال يختلف في شيء عما كان قد فعله األوروبيون للسكان األصليني في أنحاء مختلفة من العالم في أجزاء من أفريقيا وفي األمريكيتني وبولينيزيا وميكرونيزيا واستراليا وتسمانيا.

23 لقد كنت حاضرا 23 لننظر ماذا حصل للفلسطينيني كيف سارت عملية اقتالع العرب الفلسطينيني واستبدالهم بنظام يديره اليهود األوروبيون بهدف خدمة املصالح الدينية والسياسية واالقتصادية والعسكرية لألوروبيني. عندما تأسست احلركة الصهيونية حوالي عام 1880 كانت نسبة اليهود في فلسطني حوالي %4. وارتفعت هذه النسبة إلى حوالي %14 عند بدء االنتداب البريطاني. وملا وصل االنتداب البريطاني إلى نهايته كانت نسبة اليهود في فلسطني قد وصلت إلى ما يقرب من %30 لكنهم لم يكونوا ميلكون أكثر من %7 من أراضي فلسطني. وفي عام 1947 قررت األمم املتحدة أن تقسم فلسطني بني الشعبني. وقد دعم هذا القرار فئتان من القوى األوروبية: )1( الذين كانوا قد قتلوا العدد األكبر من اليهود وما زالوا يبدون رغبة في طرد البقية الباقية منهم خارج أوروبا و) 2 ( الذين كانوا يطمحون إلى استخدام الدولة اليهودية الصهيونية كوسيلة لتوسيع مصاحلهم االستعمارية في آسيا وأفريقيا. وكانت الواليات املتحدة األمريكية وهي القوة االستعمارية اجلديدة التي كانت في طور النشوء والصعود في حينه ترغب بشكل خاص في إنشاء الدولة اليهودية في فلسطني. وباستخدام قدر كبير من لي األذرع لبعض الدول املستقلة األضعف واألصغر واألقل شأنا استطاعت الواليات املتحدة أن مترر هذا القرار. وفي قرار التقسيم لعام 1947 حصل اليهود الذين كانوا يشكلون %30 من سكان البالد )وهم القادمون اجلدد من أوروبا( وميتلكون أقل من %7 من األراضي على %56 من أرض فلسطني. وكان هذا القسم الذي منح لليهود يشمل أفضل وأخصب األراضي في البالد بحجة أن السبعة باملائة التي كانوا ميلكونها فعال كانت تقع في تلك املناطق بالذات. وفي نهاية عام 1948 أصبح املستوطنون اجلدد يسيطرون بالفعل على ما يقرب من %78 من البالد تاركني %22 فقط من فلسطني االنتدابية في أيدي العرب. وفي عام 1967 عادت إسرائيل واحتلت ال %22 املتبقية من فلسطني باإلضافة إلى مناطق من الدول العربية املجاورة: سوريا ولبنان ومصر. حاليا يدور احلديث عن دولة فلسطينية مستقلة وتتحدث إسرائيل عن اتخاذ قرارات في غاية الصعوبة وعن القيام بتنازالت عظيمة وبالغة األهمية من أجل السماح للفلسطينيني مبمارسة حقهم في تقرير املصير فما هو املعروض حاليا على الفلسطينيني خلية نحل في قطاع غزة محاصرة من كل اجلهات مبا فيه اجلو والبحر ومحاطة باملستوطنني والقوات العسكرية اإلسرائيلية لتشكل أضخم سجن في العالم وأكثرها اكتظاظا وبداخله مليونا ونصف املليون من املعتقلني. وستتضمن الدولة الفلسطينية باإلضافة إلى السجن األعظم في قطاع غزة سلسلة اجلبال املمتدة بني جنني والقدس ولكن باستثناء القدس وسلسلة اجلبال املمتدة من القدس جنوبا إلى اخلليل باستثناء القدس. وباإلضافة إلى ذلك فستحتوي الدولة الفلسطينية على سجن صغير مكون من أريحا. وهكذا فستتكون الدولة الفلسطينية من ثمانية معسكرات اعتقال يتألف كل واحد منها من مدينة

24 24 دراسات في الثقافة والتراث والهوية والقرى احمليطة بها: جنني ونابلس وطولكرم وقلقيلية ورام الله وبيت حلم واخلليل وأريحا. وسيكون كل واحد من هذه السجون الثمانية مفصوال عن السجون األخرى بسد من املستوطنات اليهودية وسيمكن التنقل ما بني هذه السجون عبر بوابات ضخمة يحرسها ويتحكم بها جنود من اجليش اإلسرائيلي. وهكذا فإنه من املخطط أن تتألف دولة فلسطني القادمة من أحد عشر سجنا ثمانية في الضفة الغربية وثالثة في قطاع غزة تفصل بينها بوابات ضخمة. أما ما تبقى من فلسطني فقد قامت إسرائيل باالستيالء على كل األراضي الزراعية إلى الشرق )غور األردن( والى الغرب )السهل الساحلي ومنطقة اللطرون( والى الشمال )مرج ابن عامر( والى اجلنوب )بئر السبع والنقب( في حني استولت املستوطنات اليهودية على األراضي الزراعية في األودية ما بني اجلبال. وقد مت بالفعل إقامة البوابات املستقبلية حتت اسم نقاط تفتيش وفي العديد من احلاالت يتم إغالق هذه البوابات كل مساء وتبقى مقفلة طوال الليل بقفل ومفتاح حقيقيني. املساحة اإلجمالية لهذه السجون األحد عشر ستصل إلى ما يقارب %40 من املناطق احملتلة أو ما يقارب %8.8 من مجمل مساحة فلسطني االنتدابية. هذه كمية كبيرة من األرض حلفنة من السكان األصليني! ولكن يبقى هناك أمر إضافي يجب أن يؤخذ بعني االعتبار: تشكل التالل التي ستخصص للسكان األصليني )أي للدولة الفلسطينية( - كما يقول لنا يسرائيل فينكلشتاين في كتاب صدر له مؤخرا- املنطقة الوحيدة من فلسطني التي سكنها العبريون القدماء أي اململكتان العبريتان في يهودا والسامرة الوطن األول لليهود الذي من املفترض باليهود جميعا أن يصعدوا إليه. فإذا كانت أراضي الشعوب املجاورة للعبريني - أراضي الكنعانيني والفلسطينيني- قد مت استعادتها و تطهيرها أفلن يحدث نفس األمر ألراضي العبريني أنفسهم يهودا و السامرة حتى وإن كانت هذه األراضي قاحلة جرداء! من املمكن أن يحدث ذلك حني يصبح الوقت مناسبا ولكن في الوقت احلاضر يجري العمل على إنشاء دولة فلسطينية في السجون األحد عشر في يهودا والسامرة وفي غزة واخلليل وأريحا بحيث يكون كل واحد من هذه السجون محاصرا بجدار أسمنتي يبلغ ارتفاعه 9 أمتار على األقل مع بوابة حديدية يحرسها ويحتفظ مبفتاحها اجلنود اإلسرائيليون. إذا ما الذي نتحدث عنه فلسطني الوطن الدولة العودة إعادة الالجئني إلى الوطن... أال نكذب على أنفسنا وعلى اآلخرين ومن نخدع في حديثنا هذا غير أنفسنا وشعبنا! نحن نعرف طبعا أن القيادة الفلسطينية قد تخلت عن املطالبة بالعودة إلى ما ي عر فه اإلسرائيليون على أنه دولتهم والتي تشمل %91 من وطننا فلسطني بيد أن قادتنا ال يزالون مستمرين في اخلداع والكذب على شعبهم. وال شك أن العديدين منا مبن

25 لقد كنت حاضرا 25 فيهم القادة الفلسطينيني يعلمون حق العلم انه ليس هناك متسع للعودة إلى ما يسمى الدولة الفلسطينية التي حتتوي على أقل من %9 من وطننا األصلي والتي تتكون من عدد من السجون مقامة في أعالي التالل الصخرية اجلرداء دولة تديرها حكومة قابعة في مقر مكون من غرفتني وحمام واحد في وسط مركز شرطة مهدم كان يستخدمه البريطانيون ومن ثم األردنيون حتاصره املركبات العسكرية اإلسرائيلية. ولكن حتى إذا تنازل الفلسطينيون كليا عن حق العودة ووافقوا على أن يستسلموا لألمر الواقع ويعيشوا بهدوء وخنوع في السجون املخصصة لهم وحتى إن قبلوا بالتنازل من تلقاء أنفسهم عن األراضي واملوارد املائية التي تطالب بها إسرائيل أليس من املفروض أن يساورهم القلق حول مستقبل حياتهم في هذه السجون فإلى متى سيسمح لهم باحتالل قمم التالل في يهودا والسامرة فيما يطالب معظم اإلسرائيليني واليهود الصهيونيني في كافة أنحاء العالم بالسر وبالعالنية بالتحقيق الكامل للشعار الصهيوني أرض بال شعب خاصة وطن العبريني القدامى ووطن أجداد يهود الشتات في يهودا والسامرة إن الرأي العام اإلسرائيلي )مبا في ذلك سياسيني مرموقني وأكادمييني وعلماء( يطالب بنقل كافة الفلسطينيني ومن ضمنهم عرب إسرائيل إلى الدول العربية. ويقدر أهم مؤرخ عسكري إسرائيلي وهو من اشد مناصري خطة الترانسفير أن بإمكان إسرائيل أن تنجز هذه املهمة خالل ثالثة أيام. ويعتقد هذا املؤرخ العسكري أنه يتوجب على إسرائيل أن تقتل ما بني 5 و 10 آالف فلسطيني األمر الذي سيسهل ويسرع عملية الترانسفير. ويعتقد املؤرخ األكثر شهرة من بني املؤرخني اإلسرائيليني اجلدد )أي الذين يدعون أنهم يكذبون حول ما حدث عام 1948 أقل مما يكذب املؤرخون اإلسرائيليون القدامى( أن اإلسرائيليني ارتكبوا خطأ في حرب عام 1948 ألنهم لم يطردوا كل الفلسطينيني من الدولة وبناء على ذلك فإنه يدعو القادة اإلسرائيليني إلى أن يصححوا هذا اخلطأ في أول حرب تنشب مع العرب. وهو ال يعتقد أن ذلك ضرب من اخليال أو التمني وإمنا من قبيل الفكر الواقعي ويتوقع أن يحدث ذلك بالفعل خالل خمسة إلى عشرة أعوام. إنني أتفق مع املؤرخ املذكور في موضوع التقدير الزمني إال أنني متشائم أكثر مما هو متفائل. فأنا أعتقد أن عملية القتل والنقل املذكورة رمبا ستحدث في وقت أقرب مما توقع وإذا ما بقي شارون في السلطة وأعيد انتخاب بوش فان األمر سينحرف من الترانسفير باجتاه أقرب إلى اإلبادة اجلماعية )اقرأ اإلبادة العرقية (. لقد فرض على الفلسطينيني بعد توقيع اتفاقية أوسلو أن يغيروا نص ميثاقهم الوطني في حني أنه لم يطلب من إسرائيل أن تغير إعالن االستقالل اخلاص بها لتدرج فيه عبارة صريحة وواضحة حول حدودها الدولية. وشارون ال يبدي أي نوع من التحفظ أو الوجل حني يعلن على املأل التزامه بفكرة إسرائيل الكبرى التي تنص ضمنا على التخلص من معظم إن لم يكن كل العرب داخل حدود فلسطني االنتدابية. وقد صرح

26 26 دراسات في الثقافة والتراث والهوية شارون مؤخرا أن حرب عام 1948 لم تنته بعد واعتقد أن شارون كان يقصد )وإن لم يقلها صراحة( أن الوقت قد حان للعودة إلى تلك احلرب حيث توقفت الستكمالها وإجناز مهمتها عن طريق التخلص من البقية الباقية من الفلسطينيني داخل حدود فلسطني االنتدابية فطبيعة املشروع الصهيوني تستوجب إجناز هذه املهمة. إن املشروع الصهيوني الذي أخرج إلى حيز التنفيذ قبل أكثر من 120 عاما ال يزال قيد التنفيذ حتى يومنا هذا وقد مت إجناز %90 منه. والظروف اآلن مواتية إلمتام ما تبقى من هذا املشروع غير أن ذلك سيتطلب ارتكاب مذابح أكبر من تلك التي ارتكبت بالفعل عام ففي عام 1948 ارتكبت إسرائيل ما بني 40 و 50 مذبحة في مواقع مختلفة من فلسطني وكان ذلك كافيا حلمل الفلسطينيني املستهدفني على النزوح من املناطق التي احتلتها إسرائيل. أما اليوم فاألمور مختلفة عما كانت عليه عام 1948 فقد تعلمت األطراف الثالثة املعنية - إسرائيل والفلسطينيون والدول العربية املجاورة - درسا من أحداث لقد تعلم الفلسطينيون أال يتركوا منازلهم مهما حصل وتعلمت الدول العربية أال تسمح ألي الجئ بالدخول إلى أراضيها وتعلمت إسرائيل أن الالجئني ال يختفون وال ينسون. فالطريق الوحيد إذا للحصول على التخفيض املرجو لعدد الفلسطينيني داخل إسرائيل الكبرى هو ارتكاب مذابح أكبر بكثير من تلك التي ارتكبت عام إال أنه يتوجب إنهاء هذه املهمة ويتوجب إنهاؤها في أقرب وقت ألن التحالف الالمقدس بني إسرائيل والواليات املتحدة يتطلب وضع حد نهائي للقضية الفلسطينية لكي يحولوا اهتمامهم إلى بسط هيمنتهم على بقية العالم وعلى األخص العالم العربي املسلم. لطاملا أرادت تركيا قبل احلرب العاملية األولى أن تتخلص من األرمن والرغبة التي كانت تبديها في تنفيذ ذلك ال تقل عن الرغبة التي تبديها إسرائيل للتخلص من الفلسطينيني. وكانت أملانيا أكبر قوة في العالم في ذلك الوقت. وقد أتاح التحالف مع أملانيا واندالع احلرب العاملية األولى لتركيا أن تنفذ رغبتها دومنا عقاب أو عتاب ومت إبادة أكثر من مليون أرمني بصمت وبسرعة خاطفة. إن حتالفا أمريكيا-إسرائيليا موجود فعال وحتاول إسرائيل جاهدة أن جتر الواليات املتحدة إلى حرب ضد سوريا و/ أو إيران. وبطبيعة احلال فإن الواليات املتحدة ليست بحاجة إلى الكثير من احلث والتحفيز لتقدم على شن حرب كهذه. فإذا ما حدث ذلك فإن أغلب الظن أن إسرائيل ستحصل على فرصتها لتنفيذ رغبتها واإلفالت من العقاب.

27 أمناط في حياتي... أعتقد أنه في مناسبة كهذه * يحق لي أن أحتدث عن نفسي وهذا ما سأفعله. في السنوات األخيرة كنت أد رس في الفصل الثاني من كل عام دراسي مساقا بعنوان حلقة دراسية في البحث الكيفي لطالب املاجستير في دائرة علم االجتماع وكثيرا ما كنت استعمل سيرة احلياة كأداة جلمع البيانات لغرض البحث ثم أطلب من الطالب حتليل تلك السير وكنت أقول لهم أن حتليل سيرة احلياة يتلخص في اكتشاف أمناط جتعل من حياة الشخص وحدة متكاملة ومتماسكة فال يظهر في سلوك الشخص في حلظة ما اعتباطيا أو عشوائيا وإمنا منطقيا ومتوقعا على ضوء ما نعرفه من سلوكه في مواقف وأماكن وظروف أخرى ويأتي ذلك عن طريق التساؤل عم ا إذا كان في حياة الشخص طرق توافق طرق تصرف طرق ملعاجلة األمور طرق للتفاعل مع العالم الطبيعي أو االجتماعي تظهر في سلوك الشخص عبر الزمان واملكان واألطر املختلفة. وعندما ط ل ب من ي أن أ قد م كلمة بهذه املناسبة وجدت فيها إمكانية لتطبيق ما أقوله لطال بي على نفسي ومتكنت من رؤية عدد من األمناط في حياتي خصوصا في طرق تفاعلي مع البيئة االجتماعية )وليس مع البيئة الطبيعية والظروف العامة(. * هذه هي الكلمة التي ألقاها املؤلف مبناسبة يوم التكرمي الذي نظمته على شرفه دائرة علم االجتماع وعلم اإلنسان في جامعة بيرزيت في الثاني عشر من أيار 2008

28 28 دراسات في الثقافة والتراث والهوية النمط األول هو وجود نوع من البرودة واجلفاء ورمبا العدوانية جتاه األشخاص املسئولني عني خصوصا إذا أراد املسئول أو توقع من ي أن أسايره أو أحابيه أو أظهر له التذلل أو اخلنوع أو أراد أن يأخذ موقفا أبوي ا أو استعالئيا جتاهي. في حاالت كهذه فإنني عادة آخذ موقفا عدواني ا جتاه املسئول وأحاول البقاء بعيدا عنه وكي أحافظ على املسافة املطلوبة بيني وبينه فإنني أحاول القيام بواجبي على أكمل وجه كي ال أفسح له املجال للتدخل في عملي وألشعره أنني لست بحاجة له وقد أوقفه عند حده إذا حاول تخطي تلك املسافة. وإذا استتبت األمور كما أريد فان العالقة تبقى رسمي ة وباردة ومستقر ة ولكني عادة ال أسمح لنفسي بالثورة أو العصيان املعلن ضد النظام. أما إذا عاملني املسئول عني على أنني زميل ومساير له وأشركني في اتخاذ القرار فإنني أصبح صديقا مخلصا ومعينا له وأشعره بالدعم والتأييد واالحترام. واستطيع أن أرى هذا النمط في سلوكي عبر الزمان واملكان منذ سنوات املدرسة االبتدائية والثانوية حيث كنت أبقى بعيدا عن املعلمني خوفا من أن يتهمني الطالب ب«الوجهنة«والتقرب من األستاذ وحتى سنوات الدراسة اجلامعية حيث لم ألتق أيا من أعضاء اللجنة املشرفة على رسالة الدكتوراه إال وقت الدفاع عن الرسالة وكنت قد قدمت لهم رسالة كاملة ومطبوعة وق ب ل ت كما هي وحيث لم أحضر أي من حفالت تخر جي سوى البكالوريوس ومنذ أول وظيفة كمعلم في مدارس اجلليل االبتدائية بعد تخرجي من الثانوية مباشرة وخالفاتي مع مدراء املدارس ومفتش املعارف وحتى عملي في جامعة بيرزيت منذ سنة 1975 )ما عدا سنوات قليلة في جامعة النجاح بعد إنهاء عقدي من قبل إدارة جامعة بيرزيت بسبب عملي النقابي ثم عودتي إلى بيرزيت( وعدم حضوري ألي من حفالت التخرج سوى األولى. أما االستثناءات التي تثبت القاعدة فكانت قليلة كان من ضمنها عالقة صداقة مع اثنني من أساتذتي في إحدى اجلامعات األمريكية وقد عشت مع أحدهما ملدة عام في شقة واحدة وكذلك عالقة صداقة وزمالة ومود ة مع اثنني من أعضاء مجلس أمناء جامعة النجاح. واعتقد أن هذا النمط الذي ما زال يسود حياتي حتى اليوم وأنا في سن الثانية والسبعني هو عبارة عن إسقاط لنمط عالقتي مع والدي في مقتبل حياتي والتي كانت متوترة معظم الوقت حتى وفاته عام إسقاط تلك العالقة على عالقتي مع كل من أشعر أنه يشغل مجازا دور األب وتلك قصة طويلة ال أستطيع تفصيلها في هذا املقام. النمط الثاني الذي استطيع أن أتبينه في حياتي يكمن في كيفية حل الصراعات مع اآلخرين خصوصا مع األفراد ولكن أحيانا كثيرة مع الفئات أو املؤسسات أو اجلهات الرسمية. فعندما أجد نفسي في خالف أو صراع مكشوف مع آخر أو آخرين فإنني أخرج من ذلك الصراع سريعا ثم أجتاهل أو أتناسى الطرف اآلخر كلي ا عن طريق إقناع نفسي أو التظاهر بإقناع نفسي بأن الطرف اآلخر تافه أو

29 أمناط في حياتي 29 سخيف وأن املوضوع أو الشيء الذي يدور حوله اخلالف أو الصراع هو سخيف وتافه وضئيل وأنني فوق املنافسة أو الصراع مع مثل ذلك الطرف وعلى مثل ذلك املوضوع وذلك ميكنني من االنسحاب من ذلك املوقف وإدارة ظهري عليه وجتاهل األمر وكأنه لم يحدث باملر ة. وقد تتطلب إستراتيجية االنسحاب تلك اعترافي بأنني املخطئ أو املذنب فأفعل ذلك ولكن بطريقة فوقي ة نوعا ما فأقول بعض اجلمل مثل: طي ب يا أخي أنا مخطئ احلق علي وكل املوضوع مش حرزان وما بستاهل نعمل منه قضية ثم أجتاهل أو أتناسى املوضوع وأرفض إقامة أية عالقة مع ذلك الشخص أو أوالئك األشخاص بعد ذلك. ومن األمثلة على هذا النمط ما حدث لي مع إدارة جامعة بيرزيت عام 1980/79 عندما أنهت اإلدارة عقدي نتيجة مساهمتي في إقامة أول نقابة عاملني في اجلامعة ورئاستي لها في أول سنتني من حياتها. وكان وقع ذلك القرار علي سيئا جدا إذ أنني كنت قد قررت قبل ذلك بفترة قصيرة البقاء في بيرزيت وأخبرت جامعة ويسكنسون في أمريكا والتي كنت قد أخذت منها إجازة بدون راتب أنني لم أكن أنوي العودة إليها. وتدبرت أموري مع جامعة النجاح وحتى هذه اللحظة بعد ما يزيد على ثالثني عاما فإنني لم أعاتب أحدا من تلك اإلدارة ولم أفتح املوضوع مع أي منهم ولكن بقيت عالقتي معهم جافة وباردة مع أنني عدت للعمل في بيرزيت بعد حوالي خمس سنوات ولكن من خالل أحد اعز أصدقائي وهو املرحوم الدكتور عبد اللطيف البرغوثي الذي كان نائب رئيس النقابة عند إنهاء عقدي ثم أصبح نائبا لرئيس اجلامعة للشؤون األكادميية بعد سنوات قليلة. نفس هذا النمط حدث عندما كنت رئيسا جلامعة النجاح في نابلس وحصل خالف بيني وبني بعض أعضاء مجلس أمناء اجلامعة فتركت املنصب وعدت دون سؤال أو جواب إلى بيرزيت. ومن األمثلة الواضحة على هذا النمط في حل اخلالف مع األفراد ما جرى لي قبل أيام قليلة إذ حدث معي حادث طرق بسيط قرب املنارة وسط رام الله أسفر عن خدوش صغيرة في كلتا السيارتني. وجتمع عدد من أفراد الشرطة ومن املارة حول السيارتني وخرج سائق السيارة الثانية من سيارته وأخذ يصرخ بأعلى صوته محاوال بذلك أن يقنع اجلميع أن الذنب كان ذنبي وحدي وكان اجلميع من شرطة ومار ة يصغون إلى صياحه. خرجت من سيارتي واقتربت من السائق الثاني وقلت بهدوء: يا أخي فش حاجة للصياح! شو بد ك اتفضل روح صلح سيارتك وأنا بدفع تكلفتها. فقال له أحد رجال الشرطة: طيب يا أخي شو بد ك هاي األخ مستعد يدفع التصليح. سكت السائق ثم نظر إلي وقال: خلص بد يش إشي مبني عليك زمله آدمي وانتهت القضية. هذا النمط كسابقه أشعر أنه يعود إلى أيام طفولتي )وهل هناك منط في حياة أي إنسان ال يعود إلى أيام طفولته ( وإلى عالقتي مع والدي ونظرتي إليه. فعلى الرغم مما ذكرته سابقا عن التوتر في عالقتي معه إال أنه كان دائما وال يزال هو مثلي

30 30 دراسات في الثقافة والتراث والهوية األعلى لإلنسان الرجل ليس على املستوى اإلدراكي الواعي وإمنا على مستوى عقلي الباطني الالواعي وكما كان وما زال يظهر لي في أحالم اليقظة والنوم. واعتقد أنه حظي بتلك الصورة في ضميري بسبب النظرة التي نظر بها إلى نفسه وإلى اآلخرين والتي عر ف بها نفسه بالنسبة إلى اآلخرين وبسبب قبول اآلخرين في مجتمعنا القروي الصغير في حينه بنظرته وتعريفه لنفسه ولآلخرين. فقد كان يقي م نفسه فوق اآلخرين وال يسمح لنفسه بالتفاعل إال مع عدد قليل من رجال القرية وي ش عر اآلخرين بأنه يسدي لهم معروفا باحلديث معهم أو زيارتهم كما كان يترفع عن الصراع أو التنافس املباشر مع اآلخرين. ومن الطبيعي أن تلك التوجهات كانت تتسرب إلى عقولنا نحن أطفاله بشكل الواع وغير مباشر. ولكن كانت لدى والدي طرق مباشرة أكثر إليصال توجهاته إلينا فقد كان يبدي امتعاضه عندما يرانا نلعب مع أي من عدد كبير من أطفال وأحداث القرية ومنهم كثيرون من أقرب أقاربنا وكان يقول لنا أحيانا عن بعض أصدقائنا عبارات مثل: بتلعب مع ابن فالن أو ابن مني هو تتلعب معاه وكان أهل القرية عامة يعتبروننا ويتوقعون منا أن نكون أفضل أهل القرية عامة يعتبروننا ويتوقعون منا أن نكون أفضل أطفال القرية أخالقا وقيما وسلوكا. النمط الثالث في حياتي والذي أستطيع أن أتبينه بسهولة هو أنني كنت وما زلت أرى نفسي دائما في دور املراقب )وليس مجر د متفر ج( في لعبة احلياة وليس بدور الالعب الذي يرغب بالتأثير في نتائج اللعبة وإمنا دور من يحاول فهم أصول اللعبة وقوانينها. فأنا لم أنضم طيلة حياتي إلى ناد أو فريق من أي نوع ولم أنضم إلى فصيل أو حزب سياسي معني ولم ألتزم بإيديولوجية أو مدرسة فكرية معينة. وفي عالم ميج د الدميقراطية ويقدس حق االقتراع فقد وصلت إلى صندوق االقتراع وأدليت بصوتي مرة واحدة في حياتي وكان ذلك عام وعندما سافرت إلى الواليات املتحدة عام 1961 فقد كانت قوة الطرد املؤثرة علي في حينه أقوى من قوة اجلذب ولذلك لم أكن أعرف ما احلقل الذي كنت أريد دراسته وإمنا كنت أعرف أن حجتي للسفر كانت الدراسة فتنقلت في اجلامعة بني علم النفس وعلم االجتماع وعلم االقتصاد ثم اكتشفت وجود علم اإلنسان عند بداية مرحلة املاجستير فرسوت في النهاية على حقل هجني اسمه علم اإلنسان النفسي أو علم الثقافة والشخصية ووجدت نفسي أسير مع التيار وأصبحت بعد سنوات أحمل الدكتوراه في ذلك احلقل الذي لم أكن أعرف عن وجوده من قبل ورمبا كانت متابعتي في هذا احلقل هو أنه يعتمد على الوقوف جانبا ومالحظة ما يجري أمامك. ويظهر هذا النمط في حياتي وسلوكي بشكل عام من خالل حرصي الشديد في احلفاظ على استقالليتي. وأفعل ذلك بأن أضع لنفسي معايير وحدود ال أتخطاها وبذلك فإنني ال احتاج إلى إرضاء اآلخرين أو احلصول على دعمهم وال احتاج إلى

31 أمناط في حياتي 31 املديح أو الثناء كي أقوم بواجبي وإمنا أعمل على تطبيق قيمي ومعاييري أو ما ميكن أن أسميه بتحفظ ضميري دون حاجة إلى التظاهر واالستعراضية. وأي حتي ز أو ميل يظهر في سلوكي أو توج هاتي إلى فئة دون أخرى أو وجهة نظر دون أخرى يكون عادة مؤقتا ومشروطا. ويذكرني ذلك دائما بقصة جاءت في أحد كتب القراءة الرشيدة للسكاكيني تقول ما فحواه: س ئ ل رجل: أي أبنائك أحب إليك فقال: الصغير حتى يكبر واملريض حتى يبرأ والغائب حتى يعود. وجذور هذا النمط تعود بوضوح إلى نفس اجلذور التي نبع منها النمطان السابقان وال حاجة هنا إلى التكرار. النمط الرابع واألخير الذي أذكره بهذه املناسبة يتعلق بالناحية األكادميية في حياتي وبإنتاجي األكادميي في التراث. وهو ينبع حسب رأي من نفس املصدر الذي ذكرناه في النمط الثالث السابق وهو حرصي على استقاللية الرأي واحلكم على األمور وعدم احلاجة إلى إرضاء اآلخرين أو احلصول على املديح والثناء. وبهذا اخلصوص فإنني أشعر بأن إنتاجي األكادميي مبجموعه أقل مما كان ممكنا بالنسبة إلى طاقاتي ومقدراتي وجهودي ومؤهالتي. والسبب في ذلك كما أرى يعود إلى عدد من نقاط الضعف في سلوكي وتوجهاتي األكادميية. ونقاط الضعف هذه هي أمناط فرعية لنفس النمط. فالنمط األساسي هو أنني أبحث وأدرس وأشقى وأتعب لكي أعرف إلشباع حب االستطالع لدي وليس من أجل اإلنتاج أو حب الظهور. فنتج عن ذلك : أ. أنني نشرت نفسي على حقول كثيرة ألنني أتابع املعرفة من أجل املعرفة وذلك يأخذني عبر احلدود التقليدية للعلوم االجتماعية والطبيعية. وقد ذكرت سابقا كثرة تنقلي بني احلقول املختلفة في مرحلة الدراسة. وبعد تخرجي در ست على املستوى اجلامعي مساقات في أربعة حقوله املختلفة على األقل وهي علم النفس وعلم اإلنسان وعلم االجتماع وعلم الفولكلور. وقد تراوحت اهتماماتي من التطور البيولوجي واآلثار إلى علم النفس التحليلي والصحة النفسية وتاريخ النكبة وحتى القصة اخلرافية والنكتة السياسية وكتبت ونشرت في جميعها باإلضافة إلى عدد آخر من احلقول واملواضيع. وهذا يعني أنه أصبح لدي معرفة رمبا سطحية في مساحات شاسعة من العلوم وليس لدي اختصاص أو تعمق كبير في أي موضوع دقيق ومحدد. ب. مظهر آخر لهذا النمط هو أنني أبحث وأدرس ملدة طويلة كي أصل إلى اجلواب لسؤال يراودني وعندما أصل إلى جواب يرضيني ويقنعني فإنني ال أرغب في العودة إلى املوضوع بعد ذلك وأجد من املم ل جد ا أن أجلس وأمن ق مقاال أو دراسة متكاملة حول ما عملته وما توصلت إليه. ولذلك توجد لدي أطنان من البيانات التي جمعتها ولكن لم أحللها بطريقة علمية ولم تصل إلى مرحلة تصلح فيها للنشر مع أنها كانت في حينه قد أشبعت حب االستطالع لدي.

32 32 دراسات في الثقافة والتراث والهوية ت. أن ه ال يهمني كثيرا إذا عرف اآلخرون ما توصلت إليه أو استنتجته أم لم يعرفوا. ونتج عن ذلك أن معظم إنتاجي األكادميي جاء بشكل مقاالت أو أبحاث قصيرة كتبت أصال بسرعة لتقدميها في ندوات أو مؤمترات أكادميية بناء على دعوة أو طلب من القائمني عليها وليس على رغبة أو طلب من قبلي ثم جرى جمع هذه الدراسات في كتب. إال أنه على الرغم من كل تلك السلبيات فإني اعتقد أن هناك أربعة مواضيع ورمبا أكثر كنت أنا الرائد في دراستها على املستوى الفلسطيني على األقل ثم جاء عدد من زمالئي وطال بي فتابعوا العمل عليها وأنتجوا إنتاجا جيدا مما وسع وعمم نتائج عملي وهذه احلقول هي: 1. دراسة القرى املد مرة وكيفية تهجير الفلسطينيني سنة وقد بدأت ذلك املشروع سنة 1977 عندما قدمت اقتراح بحث بهذا اخلصوص إلى إدارة جامعة بيرزيت ثم نقلت املشروع معي إلى جامعة النجاح سنة 1980 وأعدته معي إلى مركز األبحاث في بيرزيت سنة مشروع احلكاية الشعبية الفلسطينية والذي بدأته سنة 1978 ونتج عنه كتاب قول يا طير بالعربية واالجنليزية ونتج عنه سنة 2005 اعتراف اليونسكو بالقصة الشعبية الفلسطينية كإحدى روائع التراث اإلنساني غير املاد ي التي يجب احلفاظ عليها. 3. مشروع دراسة النكتة السياسية الفلسطينية والذي بدأته سنة 1987 وقد صدر عنه حتى اآلن عدة مقاالت بالعربية واإلجنليزية وكتاب باللغة األملانية. 4. مشروع دراسة الذاكرة اجلمعية والهوية الوطنية الفلسطينية والذي نتج عنه حتى اآلن كتاب وعدد من املقاالت باللغة العربية ومؤمتر عاملي بعنوان الهوية الفلسطينية إلى أين في شهر آذار 2008 في إطار مركز دراسات التراث واملجتمع في جمعية إنعاش األسرة. إن ذكر هذه املشاريع األربعة يكاد يجعلني أتراجع عن نقاط الضعف التي ذكرتها سابقا!

33 القسم الثاني الثقافة وسيلة اإلنسان للتأقلم مع بيئته

34

35 القسم الثاني الثقافة وسيلة اإلنسان للتأقلم مع بيئته احليوان يتعلم من التجارب املباشرة فقط أم ا اإلنسان فيتعلم مما مر به بنو البشر عبر آالف أو ماليني السنني. ومن خالل مقدرة اإلنسان الكبيرة على التعلم ومقدرته على استعمال الرموز أصبح لدى اإلنسان ثقافة يستعني بها على البقاء كما يستعني احليوان على البقاء بأساليب السلوك الغريزي ة... تدل كلمة ثقافة على مجمل طرق توافق بني اإلنسان املتعلمة أو املنقولة اجتماعيا أي أن ثقافة جماعة من اجلماعات تضم جميع طرق وأساليب حياة تلك اجلماعة ما عدا ذلك اجلزء الغريزي املنقول بالوراثة اجلينية البيولوجية.

36

37 أصل األسرة عند اإلنسان سنحاول في هذا املقال إلقاء الضوء على الظروف واملالبسات التي مر بها بنو اإلنسان والتي استوجبت ظهور األسرة كوحدة بناء املجتمع اإلنساني وأخذها الصيغ التي هي عليها في الوقت احلاضر. وأوضح هنا أننا سنستعمل في هذا املقال منطق نظرية التطور وهذا يتطلب توضيح نقطتني تدور األولى حول ما تقوله نظرية التطور والثانية حول صحة ما تقوله تلك النظرية. فبالنسبة للنقطة األولى فان هناك تصورا شعبيا بأن نظرية التطور تقول بأن أصل اإلنسان قردا وهذا ليس صحيحا بل إن هذا القول نوع من الت جن ي على هذه النظرية. واحلقيقة أن نظرية التطور تقول أن جميع الكائنات املوجودة اآلن ومن ضمنها اإلنسان جاءت من أصل واحد على نحو ما يحصل لشجرة تنبت من بذرة واحدة وتتشعب إلى فروع ثم إلى أغصان ولذلك فإن أصل اإلنسان ال يلتقي فقط مع أصل القردة بل مع أجداد احليوانات األخرى والطيور واألسماك والنباتات ولكن في مراحل مختلفة وأن آخر هذه املراحل هي تلك التي تفرع فيها أجداد القردة وأجداد اإلنسان عن بعضهم. والنقطة الثانية التي حتتاج إلى توضيح هي أن استعمال منطق نظرية التطور ال يعني أن هذه النظرية هي حقيقة ثابتة ال تساؤل فيها وإمنا يعني أن هذه النظرية هي أفضل ما هو موجود في الوقت احلاضر لتفسير أصل الكائنات وعالقتها مع بعضها البعض.

38 38 دراسات في الثقافة والتراث والهوية نعود اآلن إلى أصل األسرة عند اإلنسان فنبني أن جميع املجتمعات اإلنسانية على اختالف ألوانها وثقافاتها تتكون من وحدات فوق مستوى الفرد وذات مواصفات مشتركة بحيث ميكن أن نطلق عليها جميعا اسم أسرة وميكننا أن نعرف األسرة في أي مجتمع بأنها مجموع األفراد الذين يعيشون في مسكن واحد مشترك ويكونون وحدة اقتصادية واحدة ويشتركون في املسؤولية في توفير الطعام جلميع أفراد املجموعة وفي تربية األطفال واملسؤولية عن سالمة األفراد واستمرارية الوحدة. وقد تختلف تركيبة األسرة من مجتمع إلى آخر من حيث حجمها ونوع العالقة التي تربط بني أفرادها ولكنها تشترك جميعها بأنها تتمحور حول نواة تكون القاسم املشترك بني جميع أمناط األسر في جميع املجتمعات اإلنسانية وتتكون هذه النواة من أبوين وأطفالهم. وتختلف تشكيلة األسرة من مجتمع إلى آخر من حيث عدد األفراد الذين يلتحقون بهذه النواة وطبيعة عالقتهم بأفرادها. ويأتي االختالف عادة بطرق ثالث هي: التحاق واحد أو أكثر من أقارب أحد األبوين أو كليهما باألسرة النواة أو بقاء األطفال مع األسرة النواة أو قيام أحد األبوين بهذا الدور في أكثر من أسرة نواة في نفس الوقت كأن يكون للرجل أكثر من زوجه أو للمرأة أكثر من زوج في نفس الوقت. ال يقتصر وجود األسرة على املجتمع اإلنساني بل إن لدى الكائنات األخرى وحدات تشبه إلى درجات مختلفة وحدة األسرة لدى اإلنسان. وتتراوح الكائنات احلية بني تلك التي ال يجتمع فيها الذكر واألنثى إال عند التلقيح والتي تنقطع فيها عالقة األم مع أطفالها منذ حلظة إلقاء البيض إلى تلك التي يكو ن فيها ذكر وأنثى وحدة مستمرة طيلة احلياة وتشترك في تربية الصغار الذين يبقون مع األبوين ملدد قد تصل إلى عدة سنوات مثل أسر الذئاب وبعض أنواع الطيور. أما لدى بعض أقارب اإلنسان من الرئيسيات فإن العالقة بني الذكر واألنثى ال تستمر سوى أيام قليلة أثناء فترة اإلخصاب لدى األنثى وال توجد فيما بعد أية عالقة مميزة بني األب واألم أو بني األب واألطفال بينما تستمر العالقة بني األم واألطفال في معظم حياتهم. إال اإلنسان هو الكائن الوحيد الذي يقضي طيلة حياته في أسرة جتمع األب واألم واألطفال إذ ينتقل اإلنسان الفرد عادة من األسرة التي يولد فيها مباشرة إلى أسرة يكون هو أحد األبوين فيها. تركيبة األسرة هذه لدى اإلنسان لم تأت بشكل عفوي أو اعتباطي بل جاءت نتيجة مرور أجداد اإلنسان عبر مراحل طويلة امتدت عشرات املاليني من السنني بظروف بيئية واجتماعية تطلبت تطورا في التركيبة البيولوجية والسلوكية لإلنسان نتج عنها جميعا التركيبة األسرية كما جندها اآلن وهذا يعني باختصار أن تكو ن األسرة لدى اإلنسان هو من أهم أساليب توافقه مع البيئة في مجال تنافس البقاء بني الكائنات واستمرار بقاء النوع اإلنساني.

39 أصل األسرة عند اإلنسان 39 وميكن تلخيص املراحل التي مر بها أجداد اإلنسان في طريقهم إلى تكوين األسرة بشكلها احلالي بثالث مراحل وهي مرحلة الثدييات ومرحلة الرئيسات ومرحلة اإلنسان. وسنلخص فيما يلي التغيرات األساسية املتعلقة بتكوين األسرة في هذه املراحل. الثدييات: اإلنسان فرع من الرئيسيات والرئيسيات تفرعت من الثدييات. وقد ظهرت الثدييات قبل حوالي 200 مليون سنة ومع ظهور الثدييات ظهرت ميزة مهدت الطريق نحو ظهور األسرة لدى اإلنسان وهذه امليزة هي وجود غذاء املولود اجلديد وألول مرة في تاريخ تطور الكائنات داخل جسم األم أي في الثدي. وهذا تطلب ارتباط الطفل باألم نتيجة اعتماده الكل ي عليها في غذائه حتى يصل إلى مرحلة يستطيع معها االعتماد على نفسه في احلصول على الغذاء من البيئة الطبيعية خارج جسم األم. الرئيسيات: قلنا أن الرئيسيات فرع من الثدييات وقد ظهرت الرئيسيات كفرع مميز ضمن الثدييات قبل حوالي 70 مليون سنة ومع هذه املرحلة أيضا دخلت تطورات بيولوجية أدت إلى تطورات في العالقة بني األم والطفل مما مهد الطريق نحو ظهور العائلة اإلنسانية. وكان التطور البيولوجي الرئيسي بهذا اخلصوص هو زيادة حجم الدماغ في الرئيسيات بالنسبة إلى أحجام أجسامها ومعها زيادة تعقيد اجلهاز العصبي لدى هذه الكائنات وحتسن نوعية هذا اجلهاز. هذا أدى إلى بطء نضوج اجلنني والطفل في هذه الكائنات وبذلك أطال مدة اعتماد املولود على األم وفي نفس الوقت أصبح لدى الرئيسيات ثقافة معقدة نسبيا تطلب من األم أن تقوم بتدريب الطفل ملدة أطول وجعل ارتباط األطفال باألم يقوم إلى حد كبير على أسس ثقافية اجتماعية متعلمة باإلضافة إلى األسس والدوافع الغريزية التي تشترك فيها مع باقي الثدييات. وقد نتج عن هذا التطور ظهور أسرة بني جميع أنواع الرئيسيات تشبه إلى حد كبير األسرة لدى اإلنسان مع اختالف جذري واحد إذ أن أسرة الرئيسيات من غير اإلنسان تضم األم وجميع أطفالها ملعظم حياتهم ولكنها ال تضم األب. وتدوم العالقة بني األب واألم لدى هذه الكائنات أليام قليلة فقط خالل فترة اإلخصاب وال يعرف الطفل أباه وال األب أطفاله وال تكون بينهم أي عالقة خاصة. اإلنسان: ظهر نوع اإلنسان كنوع مستقل ومميز عن باقي الرئيسيات قبل مدة زمنية قصيرة نسبيا في عمر تطور الكائنات وال تزيد هذه املدة على أقصى تقدير عن عشرة ماليني سنة. في هذه املرحلة حصلت تطورات بيولوجية بني أفراد هذا النوع اجلديد )اإلنسان( تطلبت تغيرات اجتماعية أكملت املشوار على طريق تكون العائلة اإلنسانية عن طريق إضافة األب إلى األسرة املوجودة لدى الرئيسيات. وقد تفاعلت هذه التطورات البيولوجية والسلوكية على النحو التالي: بدأت

40 40 دراسات في الثقافة والتراث والهوية سلسلة التطورات التي أدت إلى ظهور اإلنسان كنوع مستقل بتحول مجموعة من الرئيسيات من حياتها العادية على الشجر ملدة تقارب 50 مليون عاما إلى احلياة على األرض. وكانت هذه الكائنات ضعيفة وعدمية وسائل الدفاع بالنسبة إلى احليوانات املفترسة التي كانت تعيش على األرض. اضطر أفراد هذه املجموعة إلى الدفاع عن أنفسهم واحملافظة على بقائهم عن طريق الذكاء واالختراع والتعلم بدال من أساليب التكيف البيولوجية والغريزية املتوفرة للكائنات األخرى. هذا الوضع أدى إلى تغيرين بيولوجيني هامني أولهما طفرة كبيرة في الكم والكيف بالنسبة للجهاز العصبي لهؤالء األجداد األوائل لإلنسان وقد أدى هذا إلى زيادة كبيرة في بطء منو اجلنني والطفل وفي إطالة مدة الضعف التي يعتمد فيها الطفل على الكبار من أجل سالمته وبقائه. أما التغير البيولوجي الثاني فهو اضطرار أجداد اإلنسان إلى السير منتصبني من أجل حترير اليدين الستعمالها كوسيلة الدفاع والبقاء األساسية. هذا أدى إلى تغيرات في عظام حوض األنثى من هذه الكائنات مما زاد في صعوبة الوالدة وتطلب خروج اجلنني إلى خارج جسم األم في مرحلة مبكرة من نضوجه أي في مرحلة يكون فيها الطفل ما زال ضعيفا عدمي التناسق بني أجزاء جهازه العصبي ومعتمدا اعتمادا كليا وملدة طويلة جدا على األم. تزامنت هذه التغيرات البيولوجية مع تغير جذري في أسلوب حياة أجداد اإلنسان وهو التحول من كائنات نباتية تعتمد في غذائها على الفواكه والبذور وأوراق الشجر إلى كائنات مفترسة تعتمد في غذائها على حلوم ما تصطاده من احليوانات األخرى. أسلوب احلياة هذا مضافا إلى العبء الذي وضعه ضعف طفل اإلنسان واعتماده الكلي على األم جعل من غير املمكن أن تستطيع أنثى اإلنسان أن تقوم باالعتماد على نفسها باحلصول على غذائها وغذاء أطفالها وفي نفس الوقت االستمرار في إجناب األطفال واحملافظة على سالمتهم من أجل بقاء النوع ككل. هذا الوضع تطلب أن يوجد في كل أسرة منذ بدايتها ذكر ناضج واحد على األقل لضمان الغذاء واحلماية لألم وأطفالها وبذلك وجد الدور االجتماعي لألب داخل األسرة البشرية باإلضافة إلى الدور البيولوجي. أما كيف وملاذا قبل الذكر هذا الدور في األسرة فهذا ما قد يتسنى لنا احلديث عنه في مناسبة أخرى.

41 اإلنسان واحليوان حتت احلصار إذا شبهت سلوك اإلنسان بسلوك بعض احليوانات فإن الكثير من الناس سوف يستاءون. فنحن عندما نريد أن نسيء إلى إنسان ما نقول أنه يسلك مثل احليوان أو نقول له ببساطه يا حيوان فيغضب الشخص املقصود وقد يكيل لنا الصاع صاعني فيشير إلى أن الطبيعة احليوانية ليست طارئة على من وجه التهمه له بل هي موروثة أبا عن جد فقد يرد عليه بتهمة أكبر قائال يا حيوان يا ابن احليوان وهكذا. احلقيقة أن اإلنسان كائن مغرور ومد عي وإال لكان واضحا له بأن وصف شخص بأنه حيوان فيها الكثير من اإلساءة إلى احليوان وليس إلى اإلنسان. فاحليوان على سبيل املثال ال يقتل أبناء نوعه واملثل الشعبي صادق عندما يقول كلب ما ب ع ض أخوه فهل رأى أي من ا كلبني أو قط ني أو ذئبيني يقتتالن دون تدخل اإلنسان حتى موت أحدهما أو كليهما أنا أحتدى من يقول أنه رأى ذلك ولكن ذلك قد يحدث فقط في حاالت نادرة جدا وبتدخل بني اإلنسان كما سنرى الحقا. إن الكائنات األخرى )أي ما عدا اإلنسان( ال تقتل حتى أفرادا من نوع آخر إال لسد جوعها. أما اإلنسان فيقتل أبناء نوعه وحتى أبناء جنسه وعرقه باملاليني بشكل يومي وألتفه األسباب وال حاجة للتذكير بالكذب والنصب والتآمر والشذوذ اجلنسي وغيره مما هو مقتصر على اإلنسان دون احليوان. هذا ليس هو بيت القصيد ولكني أريد أن أستنتج درسا لبني اإلنسان من سلوك احليوان: عندما يريد مختبر طبي الوصول إلى عالج ملرض ما عند اإلنسان فإن الدواء ال يجري جتريبه عادة على بني اإلنسان بل على بعض احليوانات ويتبع في ذلك منطق نظرية التطور في عالقة القرابة بني

42 42 دراسات في الثقافة والتراث والهوية أنواع الكائنات فيبدأ بإعطاء الدواء لبعض القوارض مثل الفئران ثم ينتقل إلى بعض أنواع الرئيسيات مثل بعض القردة السفلى وإذا جنحت التجربة فقد ينتقل إلى بعض أنواع القردة العليا مثل الشمبانزي أو الغوريال وفقط عندما تنجح مثل هذه التجربة تنتقل إلى تطبيقها على بني اإلنسان. وراء هذا املنطق تكمن الفرضية القائلة بأن بيولوجية وفسيولوجية جسم اإلنسان شبيهة بها عند القوارض وأشبه بها عند القرده السفلى وتكاد تكون مماثلة لها عند القردة العليا فإذا جنحت التجربة نطمئن إلى إمكانية إعطاء الدواء إلى بني اإلنسان. احلقيقة أن التشابه ال يتوقف عند الصفات البيولوجية والفسيولوجية بل يتخطاه إلى النواحي السلوكية ولكن اإلنسان ينكر ويستنكر تلك احلقيقة ويحاول جتاهلها متظاهرا بعدم معرفتها. ولكن ملاذا أليس السلوك نابع من تفاعل الكائن البيولوجي مع بيئته من أجل بقاء الفرد ومن ثم بقاء النوع حتى العقل الذي نفخر ونتعالى به على الكائنات األخرى فإنه يرتكز على الدماغ واجلهاز العصبي ككل وهو جهاز بيولوجي ال أكثر إال أن جودة ذلك اجلهاز عند اإلنسان قد بلغت درجة أعلى منها عند الكائنات األخرى ويشاركنا في الكثير منها بعض أقاربنا من الرئيسات العليا. و بيت القصيد في هذا الطرح هو أن جتارب كثيرة أجريت على عدد من الثدييات ومن ضمنها بعض أقاربنا من الرئيسيات السفلى والعليا وقد ظهر من تلك التجارب أن هذه الكائنات عندما تنقل من بيئتها الطبيعية فتحبس في أقفاص في املختبرات أو في حدائق احليوانات ثم ت ع رض إلى ظروف صعبة وضاغطة مثل تقليص حجم األقفاص أو زيادة االكتظاظ فيها أو تقليل كميات الطعام حتت املستوى املقبول أو ضربها أو تعريضها لصدمات كهربائية أو غير ذلك من أساليب الظلم والتعذيب فإن هذه الكائنات تلجأ إلى استراتيجيات بيولوجية وسلوكية شاذة وغير مألوفة حتت ظروف بيئتها الطبيعية. ومن أبرز هذه االستراتيجيات أن احليوانات في مثل هذه احلالة تتوقف عن التكاثر إذ أنها ال تتزاوج وإذا تزاوجت فإن اإلناث ال حتمل. ومن االستراتيجيات السلوكية األخرى أنه يكثر بينها العنف والسلوك العدواني جتاه بعضها البعض بحيث تلجأ إلى عض ونهش بعضها البعض وتكون هذه هي احلاالت الشاذة التي تقتل فيها احليوانات أبناء نوعها وقد تلجأ اإلناث التي حتمل إلى إهمال أطفالها بعد الوالدة أو قد تقتلها وقد تصل بها احلال إلى أكل أطفالها. لقد الحظ علماء األنثربولوجيا وعلم االجتماع حاالت مشابهة عند بني اإلنسان وحدث ذلك بشكل خاص لدى الشعوب األصلية في املستعمرات التي اجتاحها واستولى عليها الرجل األوروبي األبيض مثل سكان األمريكيتني واستراليا وجزر احمليط الهادي. ف الهنود احلمر في أمريكا والزنوج في استراليا والبولونوجيني في جزر الهاواي وفي نيوزيلندا وفي العديد من املستعمرات األخرى تناقصت أعدادهم بسرعة كبيرة حتى أبيدوا أو قاربوا على اإلبادة. ولم يكن هؤالء عدد

43 اإلنسان واحليوان حتت احلصار 43 قليل من الزنوج املتوحشني إذ يقد ر اآلن أن عدد الهنود احلمر في أمريكا عند وصول كوملبوس إليها كان يقارب املائة مليون نسمه وأنه لو لم يصلها الرجل األوروبي في حينه لكان فيها اآلن من السكان األصليني أكثر من مجموع سكانها من البيض والسود والهنود في الوقت احلاضر. صحيح أن الكثير من السكان األصليني أبيدوا بالقتل عمدا وأن الكثيرين ماتوا نتيجة انتشار األمراض التي أدخلها الرجل األبيض معه والتي لم يكن لديهم مناعة ضدها وأن الكثير منهم ماتوا نتيجة اإلدمان على الكحول التي أدخلها إليهم الرجل األبيض. ولكنه صحيح أيضا أنه مما سر ع في إبادتهم التراجع السريع والد رامي في نسبة الوالدات إلى الوفيات بدون أسباب واضحة أو مبررة وكذلك انتشار اخلالفات والصراعات املميتة بينهم وكأن اإلحباط املزمن وانقطاع األمل من التغلب على القوة اخلارجية التي ال يستطيعون التحكم بها ولدت لديهم نزعة بيولوجية وسلوكية إلى عدم االستمرار في احلياة وإلى الهرب من معركة خاسرة عن طريق املوت. وقد ال نرى أنفسنا نحن الفلسطينيني في وضع مشابه ولكن هناك تشابه كبير بني ما جرى ويجري للفلسطينيني خالل القرن األخير وما جرى للسكان األصليني في أمريكا ونيوزيلندا واستراليا فاملجموعات التي أرسلت الستعمار هذه املناطق كانت بشكل عام تعتبر مجموعات زائدة عن حاجة البلدان األوروبية ورمبا كان وجودها ضارا مبصلحة الوطن األم فنحن نذكر أن بريطانيا فر غت سجونها وأرسلت نزالءها إلى استراليا الستعمارها وأوروبا ككل أرسلت الفئات الدينية األصولية واملتزمتة إلى أمريكا الستعمارها واستغاللها لصالح الوطن األم وبنفس الطريقة بدأت أوروبا بإرسال املجموعات اليهودية إلى فلسطني الستعمارها والتخلص من سكانها األصليني منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وذلك المتالك بقعة في الشرق األوسط لصالح أوروبا واألوروبيني. وال شك أن شعوب أوروبا الغربية والشمالية كانت تنظر إلى اليهود كفائض سكاني غير مرغوب فيه ويجب التخلص منه ولكن بطريقة تخدم الوطن األم. وتكونت احلركة الصهيونية بشكل رئيسي من يهود مثقفني فهموا الوضع متاما واتفقوا مع األوروبيني أن ال بقاء لليهود في أوروبا فاستغلوا الشعور األوروبي لبلورة وتنفيذ موجة استعمارية استيطانية تخدم أهدافهم كما تخدم أهداف الوطن األم. يد عى الكثيرون اليوم أن سبب هجرة اليهود من أوروبا وتفتيشهم عن وطن مستقل لهم جاء نتيجة املذابح النازية لليهود أثناء احلرب العاملية الثانية ولكن في هذا القول كثير من املغالطة إذ أن احلركة الصهيونية والهجرة االستيطانية إلى فلسطني كانت قد بدأت قبل احلرب العاملية الثانية مبا يزيد على نصف قرن والتفكير عند األوروبيني بالتخلص من اليهود عن طريق استغاللهم الستعمار أجزاء من الشرق األوسط كان قد بدأ قبل ذلك بقرون. ومن جهة أخرى صحيح أن النازية أبادت أعدادا هائلة من اليهود ولكن توجه الهجرة اليهودية إلى فلسطني بالذات أثناء احلرب العاملية الثانية

44 44 دراسات في الثقافة والتراث والهوية وبعدها لم يكن عفويا وال حتميا وإمنا جاء نتيجة إغالق أمريكا والدول األوروبية حدودها أمامهم ونتيجة التعاون بني احلركة الصهيونية والدول األوروبية لتوجيه هجرة اليهود الهاربني من النازية إلى فلسطني لدعم وترسيخ استعمارها واستيطانها والذي كان قد بدأ قبل ذلك مبدة طويلة كما أشرنا سابقا. استنتج من هذا أن قيام دولة إسرائيل لم يأت نتيجة توجه ديني أو قومي عند يهود أوروبا وإمنا كجزء من تيار أوسع بكثير هو التيار االستعماري االستيطاني األوروبي الساعي إلى االستيالء على مساحات جديدة من العالم وإبادة سكانها األصليني وإحالل الفائض السكاني األوروبي مكانهم وفي نفس الوقت خدمة مصالح السكان الذين أرسلوهم ودعموهم في الوطن األم أوروبا. وما زالت إسرائيل تقوم بهذه الوظيفة على خير وجه عن طريق اإلبادة التدريجية للشعب الفلسطيني وخدمة مصالح أوروبا وأمريكا في الشرق األوسط والعالم العربي واإلسالمي ككل. أعود هنا إلى التشابه اجلذري البيولوجي والسلوكي بني اإلنسان والرئيسيات األخرى والتي رمبا نكون قد أطلنا أكثر من الالزم في توضيحها. صحيح أن هناك تشابه ولكن صحيح أيضا أن هناك فروق. وقد يكون االنتباه إلى هذه الفروق سبيل إلى تفادي الفلسطينيني وغيرهم من الشعوب املعرضة لالستعمار احلديث ملصير شبيه مبصير الشعوب األصلية في أمريكا وأستراليا كما جنحت في تفاديه بعض الشعوب األصلية كاجلزائريني والفيتناميني. ذلك الفارق هو وجود الوعي بالذات عند اإلنسان وعدم وجوده عند الرئيسيات األخرى. أي أن اإلنسان يستطيع أن يخرج بوعيه خارج ذاته وأن يرى نفسه من خارجها ويفك ر فيها ومبا يحدث لها ويحيط بها ويؤثر عليها وبذلك قد يستطيع التحكم ببعض امليول والتوجهات الغريزية البيولوجية والسلوكية النابعة كرد فعل غريزي للظلم والقهر واإلحباط واليأس وفقدان األمل. وأصل هنا إلى الرسالة التي أردت إيصالها. لقد الحظت في السنوات األخيرة أن نوعا من الشعور باإلحباط ورمبا اليأس بدأ يظهر بني شبابنا وأن الظروف الضاغطة التي تقود إلى مثل ذلك الشعور قد أخذت تتسارع في املدة األخيرة فتحكمنا باملتغيرات التي تسيطر على حياتنا تقل كل يوم وجدران األقفاص تضيق علينا واملصادر الضرورية للحياة تقل والظلم والكبت واحلرمان يزيد... فإذا شعرت أخي الفلسطيني برغبة جامحة لالنتقام من جارك أو أخيك أو تفريغ غضبك على زوجك أو طفلك أو لوم صديقك أو قريبك على مشاكلك فتأن ى وفك ر أوال وطويال : هل من املمكن أن يكون السبب في كل ذلك هو السج ان الذي يتحكم بحجم القفص وكمية الطعام. وكلمة أخيرة: قد أكون مخطئا أو متشائما - وأنا آمل أن أكون ولكن أين هم املثقفون واملتعلمون أين هم علماء االجتماع واإلنسان وعلماء النفس وأين هم رجال الفلسفة ورجال احلكمة وعلماء الدين أدلوا بدالئكم!

45 مفاهيم أساسية في الثقافة سأحاول في هذه احملاضرة توضيح عدد من املفاهيم املتعلقة بالثقافة وأعني ب التوضيح أمرين: األول تقدمي تعريف إجرائي لكل من هذه املفاهيم والثاني توضيح عالقة كل مفهوم باملصطلحات األخرى املطروحة في هذا النص. املصطلحات التي سأحتدث عنها هي: الثقافة واحلضارة والثقافة الرسمية والثقافة املادية والتراث والفلكلور والهوية. واحلاجة إلى مثل هذه املعاجلة تأتي بسبب وجود نوعني من اخللط: األول خلط بني معاني هذه املصطلحات والثاني هو اخللط بني معنى املصطلح نفسه في اللغة الدارجة وبني معناه في العلوم االجتماعية. الثقافة واإلنسان دعونا نبدأ احلكاية من أولها فنقول أن اإلنسان يختلف عن غيره من الكائنات حتى أرقاها وأذكاها بأن لإلنسان ثقافة وهذا ما ال يوجد عند الكائنات األخرى. هل هناك ما يبرر قولنا هذا أم أنه مجرد اد عاء نابع من استعالء بني اإلنسان على غيرهم من الكائنات قلنا أن لإلنسان ثقافة وال نقصد بهذا املصطلح املعنى السائد للثقافة كأن نصف شخصا ما بأنه مثقف أي أنه على معرفة بالعلوم والفنون الراقية بل املعنى املتعارف عليه في العلوم االجتماعية مبعنى أسلوب حياة مجتمع من املجتمعات

46 46 دراسات في الثقافة والتراث والهوية أي أمناط السلوك والتفاعل في حياة الناس اليومية العادية. ولكن األسلوب العادي حلياة اإلنسان يختلف عن أساليب حياة الكائنات األخرى في صفتني هامتني على األقل جتعالننا نسمي أسلوب حياة اإلنسان ثقافة ومني زه عن أسلوب حياة الكائنات األخرى: الصفة األولى هي أن ثقافة اإلنسان كل ها م تعل مة يتعلمها كل جيل من اجليل السابق وال يرثها باجلينات أو املوروثات البيولوجية أو كما يقول عامة الناس بالد م. ويشار إلى االنتقال بالتعل م جيال عن جيل باصطالح الوراثة االجتماعية متييزا لها عن الوراثة البيولوجية التي عن طريقها تكتسب الكائنات األخرى غير اإلنسان القسم األكبر من سلوكها وأساليب حياتها. صحيح أن احليوانات تستطيع أن تتعلم بعض أنواع السلوك من بعضها البعض وكذلك يستطيع اإلنسان أن ي در ب بعض احليوانات لتسلك بطرق لم تكن تعرفها من قبل كما هو احلال في تدريب كالب الصيد أو العديد من احليوانات املستعملة لتقدمي العروض في السيرك ولكن وهذا يوصلنا إلى الصفة الثانية الهامة ألساليب سلوك اإلنسان يتعلم اإلنسان عن طريق الرموز. وأهم أنظمة الرموز التي يستعملها اإلنسان اللغة فعن طريق اللغة يستطيع أب مثال أن يعود إلى عائلته ويخبرهم عم ا حدث له أثناء العمل وقد يقص عليهم ما حدث له قبل أيام أو أشهر أو سنوات وقد ي ح دث أطفاله عن أمور حدثت قبل آالف أو ماليني السنني وقد ي حدثهم عن أشياء لم حتدث بعد بل يتوقع أن يفعلها في املستقبل القريب أو البعيد. أما احليوانات األخرى فال تستطيع استعمال رموز مثل الرموز اللغوية فال ميكن لقط أو فأر أن يخبر أطفاله عم ا حدث له في املاضي أو ما يريد أن يفعله في املستقبل. فاحليوان يتعلم من التجارب املباشرة فقط أم ا اإلنسان فيتعلم مما مر به بنو البشر عبر آالف أو ماليني السنني. ومن خالل مقدرة اإلنسان الكبيرة على التعلم ومقدرته على استعمال الرموز أصبح لدى اإلنسان ثقافة يستعني بها على البقاء كما يستعني احليوان على البقاء بأساليب السلوك الغريزي ة. الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية الثقافة نوعان: ثقافة رسمية وثقافة شعبية. والتراث الشعبي يكو ن اجلزء األهم واألكبر من الثقافة الشعبية. دعونا نتعرف أوال على كيفية تقسيم الثقافة إلى رسمية وشعبية ثم نعود بعد ذلك إلى موضوع التراث الشعبي. ت قسم ثقافة مجتمع من املجتمعات البشرية إلى قسمني رئيسني يطلق على القسم األول الثقافة الرسمية وقد يشير إليه البعض مبصطلح الثقافة العليا أو الثقافة الكبرى ويطلق على الثاني الثقافة الشعبية ورمب ا أشار إليها البعض مبصطلح الثقافة الصغرى أو الثقافة الدنيا.

47 مفاهيم أساسية في الثقافة 47 تنتقل الثقافة الرسمية من جيل إلى جيل من خالل املؤسسات واألجهزة الرسمية أو شبه الرسمية مثل جهاز التربية والتعليم واجلامعات واملعاهد واملؤسسات الدينية الرسمية والقوانني الرسمية واألدب والفن العالي املعترف به رسمي ا وغير ذلك من املعارف والرموز الثقافية التي ترعاها وحتافظ عليها وتضمن استمرارها املؤسسات الرسمية في الدولة أو املجتمع كاحملاكم والوزارات والدوائر احلكومية أو املرخص ة أو املوافق عليها أو املعترف بها من قبل هذه الدوائر الرسمية. أم ا الثقافة الشعبية أو أساليب احلياة الشعبية فهي النتاج العفوي اجلماعي املعب ر عن شعور وعواطف وحاجات وضمير أبناء الشعب بشكل عام وليس النخبة أو املجموعة اخلاصة وتنتقل من جيل إلى جيل كما تنتشر بني الناس من جماعة إلى أخرى ومن فئة إلى أخرى بشكل عفوي مشافهة أو عن طريق التقليد واحملاكاة واملالحظة. الثقافة والهوية إن الرموز التي تكو ن هوية شعب من الشعوب أو أمة من األمم تستقي مضمونها ومعانيها وأهميتها من كال النوعني الرسمي والشعبي من الثقافة. ولكنني أعتقد أن الرموز املستوحاة من الثقافة الشعبية هي العنصر األهم في تكوين الهوية اجلماعية للشعب أو لألمة وهي اجلزء األهم في احلفاظ على هذه الهوية وضمان استمراريتها وفي تعزيزها وتثبيتها وذلك لعدد من الصفات تتوفر في الثقافة الشعبية دون الرسمية. فالثقافة الرسمية من صنع النخبة أو اخلاصة وهي نتيجة تخطيط وتفكير واع وال تنبع بشكل عفوي من روح املجتمع وهي كثيرا ما تكون عملية منطقية ينقصها التعبير العاطفي فال تلهب العواطف وال تستثير الهمم وهي مألوفة عادة للنخبة من املتعل مني واملثقفني وقد ال يتمكن من فهمها وتذوقها سوى تلك النخبة وهي كثيرا ما تكون عاملية فال تصلح لتمييز شعب عن شعب آخر أو مجتمع عن مجتمع آخر وهي حتتاج إلى جهاز رسمي تقوم عليه عادة السلطة املركزية من حكومة أو دولة لنشرها وتعميمها ونقلها من جيل إلى جيل. أم ا الثقافة الشعبية فهي من صنع عامة الشعب نابعة من روح الشعب ومن شعوره وضميره لها انتشار واسع بني عامة الناس وهي أسهل على االستعمال والفهم واحلفظ تعب ر عن العواطف والشعور الشعبي وهي لذلك قادرة على إلهاب عواطف عامة الشعب واستثارة هممهم. وهي تنتقل عبر الزمان واملكان من مجموعة إلى أخرى ومن جيل إلى جيل بعفوي ة وبساطة عن طريق املشافهة واحملاكاة والتقليد دون احلاجة إلى تدخ ل أو حتكم سلطة أو جهاز أو إدارة رسمية وميكن استعمالها في مناسبات وأطر أوسع وكثير

48 48 دراسات في الثقافة والتراث والهوية من رموزها مادية ظاهرة ملموسة تسه ل التعبير عن هوية صاحبها ببساطة ووضوح مثل املالبس الشعبية أو األكالت الشعبية وما إلى ذلك من نواحي احلياة الشعبية. التراث وغير التراث في الفقرات األخيرة قس منا ثقافة املجتمع عموديا إلى نصفني رسمي وشعبي وهناك طريقة أخرى لتقسيم الثقافة ميكن أن نصفها بأنها أ فقية وهي أن نقسم الثقافة ككل رسمية وشعبية إلى قسمني: ما هو تراث وما ال ميكن اعتباره من التراث. وبشكل عام فإن القسم التراثي هو اجلزء الذي نقد ره ونحترمه ومنجد ه أكثر من غيره فمثال في الثقافة الرسمية نعتبر املعلقات تراثا في حني أن ذلك ال ينطبق على كل شعر قالته العرب فبعض الشعر الرسمي تافه وال يستحق أن نكر مه بوصفه تراثا. كذلك ال أحد يشك في كون قبة الصخرة في القدس وجامع احلمراء في األندلس من التراث املعماري العربي اإلسالمي ولكن ليس كل بيت أو عمارة بناها العرب تستحق اسم تراث معماري عربي أو إسالمي. بنفس املنطق ليس كل جزء من حياة الشعب يستحق أن يوصف بأنه تراث شعبي فالكثير مما ميارسه أو يستعمله أو ينتجه أو يقوله الناس في حياتهم اليومية العادية يذهب بعد فترة قصيرة من ظهوره إلى مزبلة التاريخ وال نحتفظ به وال نعرف عنه شيئا فهناك بعض األغاني الشعبية ما زلنا نحتفظ بها ونرددها منذ أيام الدولة العثمانية أو ما قبل ذلك بينما اختفت ماليني األغاني الشعبية التي رد دها رجال ونساء عرب أو فلسطينيون عبر التاريخ مما لم نحتفظ به. بهذا نكون قد وصلنا إلى تقسيم ثقافة املجتمع أي مجتمع إلى أربعة أجزاء فأصبح لدينا: 1. ثقافة رسمية تراثية. 2. ثقافة رسمية عادية )غير تراثية(. 3. ثقافة شعبية تراثية. 4. ثقافة شعبية عادية )غير تراثية(.

49 * سيكولوجية التغير االجتماعي يفترض هذا البحث أن التنمية االقتصادية ليست سوى جانب واحد من عملية التغير الثقافي االجتماعي التي هي أوسع كثيرا منه وفي احلق أنها نتاج للعمليات العامة نفسها وتخضع للمبادئ العامة ذاتها. وبالرغم من أن بوسعنا من الناحية الفنية التمييز بني ما هو اجتماعي وما هو ثقافي بوصفهما مستويني مختلفني من مستويات التجريد إال أننا سوف نستعمل الكلمة املركبة الثقافي االجتماعي لنشير بها إلى كل من قواعد السلوك األكثر إيغاال في التجريد وإلى جتليات تلك القواعد على شكل عالقات إنسانية وظواهر اجتماعية. وليست غايتنا من هذا البحث أن يصبح دليال يعتمد املرء فيه على ذاته في أمور التنمية االقتصادية أو االجتماعية وإمنا غايتنا منه هي إلقاء الضوء على ظاهرة التغير الثقافي االجتماعي بغض النظر عن املجتمع أو الزمان أو املكان الذي حتصل فيه. جوهر احلياة لدى جميع الكائنات العضوية ومنها اإلنسان هو ضمان البقاء واالستمرار عن طريق تلبية احلاجات العضوية الضرورية من خالل تفاعل الكائن * مت حتضير هذا املقال بتاريخ 1981/2/15 باللغة اإلجنليزية حتت عنوان" Change "Toward a Psychology of Social وقدم إلى مؤمتر التنمية األول الذي دعا إليه ملتقى الفكر العربي. وقد ساعد في ترجمته إلى العربية مشكورا األستاذ علي خليل حمد.

50 50 دراسات في الثقافة والتراث والهوية مع البيئة وذلك هو التكيف. وفي بداية تاريخ تطور احلياة كانت جميع الكائنات العضوية تعتمد في تكيفها على سلوك معني في املورثات )اجلينات( وتستجيب للتغيرات البيئية بتغيرات في املورثات تنتج عنها وتكون سمات سلوكية وبيولوجية جديدة. ومن املمكن القول بأن الكائنات العضوية في ذلك الطور كانت تتعلم دروسها بطريق املورثات أي أن التكيف لديها كان يؤدي إلى حدوث حتول في سمات املورثات لدى النوع. وفي إحدى مراحل تطور احلياة وقع حادث غريب حقا. فقد أدت بعض محاوالت املورثات للتكيف إلى نشوء عضو بيولوجي في اجلسم ال يعتبر رهنا بقوة بيئية خاصة أو مبوقف بيتي خاص وإمنا ميكنه التوسط بني املوروثات والسلوك بحيث يتيح للسلوك أن يتغير في نطاق معني دون اقتضاء تغيرات في املورثات. وقد مكن هذا العضو الكائن العضوي من التأقلم مع طائفة من التغيرات في البيئة دون حاجة منه إلى إعادة التكيف. وهذا هو جوهر ما نسميه عادة الذكاء والتعلم أي القدرة على استعمال التغذية املرتدة أو نتائج السلوك من أجل تعديل السلوك وجعله أكثر مالءمة للظروف. وما هذا العضو سوى اجلهاز العصبي أو الدماغ الذي بلغ أوج تطوره لدى الرئيسيات ولدى اإلنسان منها بوجه خاص. أما مجموع ما لدى اإلنسان من احللول املتعلمة )املكتسبة( أو غير املوروثة ملختلف املشكالت أو مجموع ما تعلمه من آليات واستراتيجيات للتكيف فهو ما يطلق عليه مصطلح ثقافة. ويبدو أن قدرة الفرد على التعلم ليست ظاهرة بسيطة وإمنا هي كفاءة متعددة الطبقات ذات نظام هرمي. وهي كفاءة غير مفهومة متاما من قبل اإلنسان ولكن نستدل عليها من أننا نتعلم بأمناط شتى بدءا من االستجابات اإلشراطية الكالسيكية غير الواعية التي تكاد تقارب السلوك الغريزي واملوروث لدى احليوانات عبر التعلم بطريقة التجربة واخلطأ إلى أن تنتهي بالتفكير واإلدراك الرمزي املجرد. وقد يعني هذا إذا كان صحيحا كثيرا من األمور التي ال نقوى على استيعابها بشكل كامل وان كان بوسعنا القيام على األقل ببعض التخمينات عنها. فمن التخمينات املمكنة أن يكون للجهاز العصبي ومن ثم العقل بنية متعددة الطبقات ذات ترتيب هرمي من حيث وظائفها. ويعني هذا أيضا أن الثقافة ليست كتلة متجانسة األجزاء بل هي نظام متعدد الطبقات ذو تسلسل هرمي ال يتغير عشوائيا وكيفما اتفق بل وفق ترتيب نظامي متليه طبيعة تركيب اجلهاز العصبي لإلنسان. بيد أننا مضطرون لالكتفاء إلى حني فهم أنفسنا فهما أفضل بنموذج مبسط لإلنسان وثقافته. والنموذج الذي استعملناه في هذا البحث منوذج ذو ثالثة مستويات. ولكي جنعل منوذج اإلنسان هذا أيسر فهما فسوف نشبهه بنظام أبسط له أطوار ومستويات أكثر متيزا وملموسية أال وهو احلاسبة االلكترونية. أما املستويات الثالثة في هذا النموذج فهي:

51 سيكولوجية التغير االجتماعي املستوى البيولوجي: وبوجه التخصيص بنية اجلهاز العصبي ومن املمكن مقارنة هذا املستوى بجهاز احلاسبة أي اآللة نفسها. إن هذه البنية هي التي تعني طبيعة النظام وحتدد وظائفه أي ما ميكنه القيام به وما يعجز عنه. 2. املستوى السيكولوجي: وهو يشتمل على طائفة من القواعد واملبادئ والتعليمات التي توجه وظائف اجلهاز العصبي في معاجلته للمعطيات أو املعلومات الواردة أليه في هيئة مشاعر أو إحساسات من داخل الكائن العضوي أو معطيات حسية أو منبهات خارجية من البيئة. وميكننا مقارنة هذا املستوى بالبرنامج في اآللة احلاسبة. ولكن في حني يقوم فرد واحد )أو قلة من األفراد على األكثر( بتصميم برنامج اآللة احلاسبة جند أن البرنامج البشري والذي تطلق عليه أسماء شتى من مثل البنية النفسية أو الشخصية أو اخلريطة اإلدراكية. والبنية السيكولوجية هو برنامج معقد حقا ومؤلف من مجموع اخلبرات والتجارب التي مرت بالفرد طيلة حياته. ومن اجلدير بالذكر أن اخلبرات التي مير بها الفرد في سني حياته األولى لها أهمية خاصة وذلك ملا لها من تأثير على إدراك اخلبرات الالحقة من خالل تكوين املواصفات األولى للبرنامج. 3. املستوى الثقافي االجتماعي: يشتمل هذا املستوى على قواعد السلوك والسلوك ذاته ونتائج السلوك مثل أمناط العالقات والبنية االجتماعية والثقافة املادية. هذه جميعها تأتي نتيجة ملعاجلة اجلهاز العصبي ملعطيات البيئة )الداخلية واخلارجية( ضمن محاولة الكائن العضوي للتكيف والبقاء. وميكننا تشبيه هذا املستوى بالنتائج التي تعطيها اآللة احلاسبة واملشتملة على احللول واإلجابات التي تقدمها اآللة لألسئلة املطروحة عليها. وتأتي الصلة بني املستويني األولني والبيئة من خالل املستوى الثالث وهو السلوك. وفي وسعنا التحدث عن ثالثة أنواع من التغير بحسب النموذج الذي قدمناه: 1. النوع التطوري أو البيولوجي: وهو طويل املدى. 2. التغير في الشخصية أو البنية النفسية وهو متوسط املدى. 3. والتغير الثقافي االجتماعي أو تغير السلوك وهو قصير املدى. وتنتظم أنواع التغير املذكورة آنفا في تسلسل رأسي بحيث يتذبذب كل منها ضمن حدود يقررها النوع الذي يعلوه في الترتيب. فليس في وسع السلوك لدى مجموعة من السكان أن يتغير إال ضمن احلدود التي تتيحها أنواع الشخصية أو البنية النفسية السائدة لدى تلك املجموعة. وكذلك شأن البنية النفسية التي ميكنها التغير ضمن احلدود التي تسمح بها بنية اجلهاز العصبي لإلنسان.

52 52 دراسات في الثقافة والتراث والهوية واملسألة اآلن هي: كم من هذا كله يقع في نطاق سيطرتنا دعنا نتناول بالدرس أنواع التغيرات هذه واحدا واحدا : التغير التطوري من الناحية الفنية نستطيع القول أن اإلنسان ميتلك اخلبرة الفنية التي متكنه من تسيير التغير التطوري إلى حد ما ومن املمكن إجراء ذلك بطريقتني: أ. علم حتسني النسل: ويعني هذا استحواذ اإلنسان على بعض من وظائف االنتقاء الطبيعي وذلك بتخلصه من األفراد الذين ال تعجبه سمات مورثاتهم وتربيته األفراد اآلخرين الذين يرضى عن سمات مورثاتهم. وهذا أمر شبيه مبا دأب اإلنسان على فعله زمنا طويال باألنواع األخرى كاملواشي أو اخليول أو الكالب وإنتاجه طائفة متنوعة من السالالت املرغوبة. ب. هندسة املورثات: ويقصد بهذا ما ميارسه اإلنسان من تدخل مباشر وتعديل وحتكم في سمات مورثات النسل بطرائق مختلفة تشتمل على التخزين الطويل األجل وحفظ خاليا اجلنس التي حتمل سمات املورثات املرغوبة واملزاوجة االصطفائية والتعديل في احملتويات الوراثية للخلية اجلنسية الواحدة. فمن الناحية الفنية ميكننا القول بأن اإلنسان قادر على تخطيط وتنفيذ برنامج لالجتاهات التطورية في نوعه بيد أن مثل هذا البرنامج يعاني من ثالث مشكالت أساسية على األقل: االعتبارات األخالقية: من هو صاحب احلق في تصميم ما ينبغي أن يكون عليه اجليل التالي من بني اإلنسان االعتبارات املنطقية العقالنية: فلو سلمنا بإمكان اتفاق الناس على شخص أو هيئة يكون حكما بشأن سمات املورثات احلسنة والرديئة لبقيت مسألة أخرى وهي: كيف نستطيع أن نضمن بأن هذه السمات املرغوبة اآلن ستكون صاحلة فعال لبقاء النوع في املدى الطويل من حيث الضغوط واملتطلبات االصطفائية التي تفرضها البيئة في املستقبل مثل تغيرات جو األرض أو األمراض اجلديدة أو األنواع اجلديدة من احلشرات أو وجود إشعاعات جديدة قادمة من الشمس أو النجوم أو وقوع غزو من الفضاء اخلارجي وما إلى ذلك. االعتبارات الزمنية: ليس من املمكن استعمال هذا اللون من املتغيرات في حل املشكالت املباشرة امللحة وذلك ألنه يستغرق أجياال كثيرة قبل أن يؤتى ثماره املبتغاة.

53 سيكولوجية التغير االجتماعي 53 وهكذا يتبني لنا أن هذا البديل الكامن في إجراء تعديل على مورثات النوع برغم تيسره فنيا لإلنسان ليس بديال صاحلا حلل املشكالت االقتصادية أو الثقافية االجتماعية في املرحلة احلاضرة من تاريخ اإلنسان ولذلك فسنتوقف عن مناقشة هذا البديل فيما تبقى من هذا البحث. تغير الشخصية من املمكن إحداث التغير الثقافي االجتماعي أيضا بتغيير البنية السيكولوجية لألفراد في املجتمع. ويستند هذا التفكير إلى عدة فروض لم يجر التحقق من صحتها وإن كانت مقبولة بوجه عام في أوساط العلوم االجتماعية وهذه الفروض هي: 1. أن لدى الكائنات البشرية ما ميكن أن يطلق عليه مصطلح شخصية أو هيكل معني من السمات السيكولوجية. ومن املعتقد أن هذه البنية السيكولوجية تتم بلورتها في سنوات الطفولة األولى وتظل مستقرة إلى حد ما طوال حياة الفرد. ومن املمكن أن حتدث اخلبرات الالحقة بعض التغيرات الطفيفة في بنية الشخصية ولكنها تتسرب في البنية األولى ويتم متثلها فيها. 2. أن األغلبية الكبيرة من األفراد األعضاء في نفس النظام الثقافي االجتماعي لديهم نفس نوع الشخصية أو البنية السيكولوجية وذلك بأثير خبرات الطفولة املشتركة. ويشار إلى هذا في العادة باسم الشخصية األساسية أو الشخصية االجتماعية لتلك املجموعة. 3. أن قدرا كبيرا من التناغم أو االرتباط قائم بني نظام الشخصية لدى مجموعة ما وبني نظامها الثقافي االجتماعي وأن هذين يرتبطان أحدهما باآلخر ارتباطا دائريا عن طريق التغذية املرتدة بحيث يكون كل منهما علة لآلخر محددا للتغيرات املمكنة فيه. وهكذا نرى أنه إذا كانت التغيرات املرغوبة في النظام الثقافي تغيرات حاسمة فإن األمر يستلزم أن تتغير بنية الشخصية في املجموعة أيضا. لكن مبا أنه ليس من املمكن إجناز تغيرات حاسمة في بنية الشخصية بني اليافعني من أفراد املجتمع فإن هذا يقتضي إجناز التغيرات عن طريق تربية جيل جديد له بنية شخصية جديدة. ويعني هذا أن التغيرات املرغوبة ستستغرق جيال واحدا على األقل إلجنازها وهذا ما دعانا إلى إطالق اسم متوسط املدى على هذا النوع من التغير. وإذا اتفقنا على أننا نريد إدخال التغيرات السيكولوجية الضرورية من أجل إتاحة الفرصة حلدوث التغيرات الثقافية االجتماعية املرغوبة فباستطاعتنا استعمال إحدى استراتيجيتني ممكنتني هما:

54 54 دراسات في الثقافة والتراث والهوية 1. اإلستراتيجية األولى تعتمد على البت في شأن التغيرات الثقافية االجتماعية املرغوبة ثم حتدد السمات السيكولوجية التي تتناغم مع هذه التغيرات أو تسهل حدوثها. فإذا ما ع لمت السمات السيكولوجية املرغوبة استلزم األمر أن نقوم باكتشاف الطرق واملمارسات التي تتيح غرس مثل هذه السمات في األطفال. وإذا بات هذا كله معلوما أصبح في وسعنا عندئذ تربية جيل جديد لديه بنية الشخصية املرغوبة وفي وسع هذا اجليل اجلديد إحداث التغييرات الثقافية االجتماعية املطلوبة. 2. اإلستراتيجية الثانية تسير في نفس املراحل التي اتبعتها اإلستراتيجية األولى ولكنها بدال من أن جتعل غايتها خلق طائفة من السمات السيكولوجية تتناسب مع مجموعة معينة من التغيرات الثقافية االجتماعية ترمي هذه اإلستراتيجية إلى إنتاج طراز مرن من الشخصية قادر على احتمال التغير أو مجاراته مهما كان ذلك التغير صعبا وإذا كان ذلك ممكنا )يبدو لنا أن الشخصيات مختلفة بالفعل في هذا البعد( فإنه سيتيح حدوث املزيد من التغيرات الثقافية االجتماعية إذا دعت احلاجة إلى ذلك دون اللجوء إلى خلق نوع جديد من الشخصية. ويغلب على الظن أن نوع التغير متوسط املدى الذي بيناه قد كان يحدث طوال التاريخ البشري بطريقة آلية غير مخططة وال واعية. وإذا مت تطبيق هذا التغير باالعتماد على التخطيط الواعي واملدروس فسيجابه كثيرا من املشكالت قد ال ميكن التغلب عليها ومن هذه املشكالت ما يلي: أ. كيف ولم يقوم الراشدون من جيل ما بالتصور والرغبة والتخطيط لتغيرات ثقافية اجتماعية خارج املدى الذي تسمح به بنيتهم السيكولوجية إن اإلمكان الوحيد يكمن في أن يقوم أعضاء ثقافة ما بفرض خطة ما على ثقافة أخرى. ب. كيف يتسنى لنا حتديد االرتباط بني السمات السيكولوجية من جهة واملمارسات الثقافية االجتماعية من جهة أخرى ت. إن املدى الزمني الالزم ملثل هذه التغيرات غير مشجع. ث. ما دامت السمات السيكولوجية )أو نوع الشخصية( في جيل ما هي نتيجة ملمارسات اآلباء الراشدين من اجليل السابق فكيف يتسنى للجيل غير الصحيح أن ينتج اجليل الصحيح إذا إن اإلمكان الوحيد يكمن في استحواذ سلطة مركزية من اخلبراء على وظيفة تربية جميع األطفال في املجتمع اإلنساني. ما من شك في أن هذه القائمة ال تستنفذ جميع املشكالت املمكنة التي تتعلق بهذا اللون من التغيير ولكنها تكفي لتوضيح فكرتنا في أن هذا النوع من التغيير ال يشكل بديال قابال للتطبيق حقا. فليس لدينا إذا سوى بديل وحيد ممكن أال وهو التغير الثقافي االجتماعي قصير األجل وهو ما سنتناوله بالدرس اآلن.

55 سيكولوجية التغير االجتماعي 55 التغير الثقافي االجتماعي قصير األجل موضوع حديثنا هنا هو ذلك النوع من التغير الثقافي االجتماعي الذي ميكن حتقيقه ضمن املعطيات البيولوجية احلالية لإلنسان وضمن منط الشخصية القائم في املجتمع املقصود. ولذلك فمن املمكن نظريا إدخال هذا النوع من التغير في وقت قصير ال يتجاوز مدى جيل واحد. وما دام هذا اللون من التغيير عمليا وقابال للتطبيق فإننا سنتناوله بالدراسة بقدر أكثر من التفصيل. وسنتناول املوضوع ضمن إطارين رئيسيني هما املؤثر و االستجابة. اإلطار الذي يدور حول املؤثر سيهتم بشكل رئيسي بكيفية توليد االبداعات و التجديدات وإدخالها في املجتمع وأما موضوع االستجابة فسيتناول بالدرس كيفية استجابة املجتمعات البشرية للتجديدات الدخيلة أو كيفية تعاملها معها. املؤثر على الرغم من أننا أحيانا كثيرة جنسد النظام الثقافي االجتماعي إال أنه في واقع األمر شيء معنوي مجرد ال وجود له إال في ذهن اإلنسان وليس شيئا قائما بذاته. وأهم ما في األمر أن النظام الثقافي االجتماعي ليس كائنا عضويا ينمو ويتغير ويتحرك من منطقة إلى أخرى أو ينتقل في أطر الزمان واملكان. ومن املعلوم أن النظم الثقافية االجتماعية ال يتصل بعضها مع بعض وال تتفاعل وتتبادل التأثير بل أن اإلنسان هو الذي يحمل هذا الشيء املجرد الذي نطلق عليه النظام الثقافي االجتماعي في رأسه. والناس هم الذين يقومون بتغيير أفكارهم أو سلوكهم ويؤثر بعضهم في بعض وينقلون األفكار وطرائق السلوك من جيل إلى آخر. ميكننا وصف أي نظام ثقافي اجتماعي بأنه منط أو مجموعة أمناط مشتقة من عدة مستويات من مستويات احلقيقة: 1. في أعلى هذه املستويات جند نظام األفكار والقواعد التي يدرك الشخص العالم وفقا لها ويطلق عليه اسم اخلريطة اإلدراكية. 2. ومن هذه املستويات أيضا مستوى السلوك الذي يعتمد على اخلريطة اإلدراكية. هذا السلوك ينتظم في أمناط نسميها الثقافة. 3. يؤدي السلوك املنم ط ألعضاء مجموعة بشرية إلى قيام نظام أو شبكة عالقات نسميها باسم البنية االجتماعية. 4. يجد املرء أخيرا أن السلوك البشري الذي توجهه اخلريطة اإلدراكية والذي ينتظم ضمن البنية االجتماعية يؤدي إلى وجود املنتجات املادية التي نطلق عليها اسم الثقافة املادية. ومن املفروض أن يقوم في املجتمع الطبيعي املستقر قدر كبير من االرتباط والتناغم بني هذه املستويات األربعة.

56 56 دراسات في الثقافة والتراث والهوية من املمكن أن يبدأ التغير في أي من هذه املستويات ولكن حدوث التغير في أي منها يقتضي من املستويات األخرى أن تعد ل نفسها كي حتافظ على التناسق وتعيد النظام الثقافي االجتماعي إلى حالة التوازن أو االستقرار. وقد يصدر املؤثر الذي يطلق التغير في النظام االجتماعي الثقافي من داخل النظام أو من خارجه. فإذا كان التجديد ناجما عن مؤثر داخلي فإننا نطلق على النتائج اسم اختراع أما إذا كان منبه التجديد والتغير آتيا من خارج النظام فتطلق عليه عدة أسماء مختلفة. واالختراع في واقع األمر عبارة عن إعادة ترتيب أجزاء قدمية قائمة في النظام من قبل وفقا لفكرة جديدة أو بحسب ترتيب جديد مستعار من منوذج قائم من قبل في داخل النظام. وبذلك يقوم االختراع بوضع األجزاء القدمية ضمن عالقات جديدة فيكون كل من األجزاء والعالقة غير جديد ولكن نظام العالقة )أو الترتيب( يكون جديدا بالنسبة إلى هذه األجزاء بالذات. ومن جهة أخرى ميكن للمنبهات التي تطلب التجديدات والتغيرات في النظام الثقافي االجتماعي أن تصدر من اخلارج ومعنى ذلك أن من املمكن قيام نظام ثقافي اجتماعي بالتأثير في نظام ثقافي اجتماعي آخر. وما هذا بالطبع سوى متثيل مجازي ي قصد به أن األفكار والسلوك لدى املجموعات البشرية املختلفة يؤثر بعضها في بعض. ومن املمكن أن يرد هذا التأثير في أشكال مختلفة وعلى مستويات مختلفة من احلقيقة: 1. عندما تتخلى مجموعة من الناس عن نظامها الثقافي االجتماعي اخلاص وتتبنى نظاما ثقافيا اجتماعيا كامال ملجموعة أخرى وتسير في طريق فقدان هويتها التي تنفرد بها فإننا نطلق على ذلك اسم استيعاب. 2. عندما تتبنى مجموعة من الناس قطاعا كبيرا من نظام ثقافي اجتماعي ملجموعة أخرى بدون فقدان الهوية التي ينفرد بها نظامها الثقافي االجتماعي اجلديد فإننا نطلق على ذلك اسم تثاقف أو اكتساب ثقافي. 3. عندما يجرى اقتباس الفكرة أو الترتيب )وفقا للشرح الوارد في فكرة االختراع( عن نظام آخر وتطبيقه على أجزاء قدمية قائمة من قبل ضمن النظام فإننا نطلق على هذه العملية اسم انتشار املنبهات. 4. عندما يأخذ أعضاء مجموعة أجزاء صغيرة من السلوك أو الثقافة املادية من نظام ثقافي اجتماعي ملجموعة أخرى ويقومون بتكييفها ضمن نظامهم اخلاص فإننا نطلق على ذلك اسم استعارة أو استيراد. ذكرنا حتى اآلن عدة مرات أن النظام الثقافي االجتماعي ال يتغير تلقائيا وليس في وسعه ذلك بل أن اإلنسان هو وسيلة التغير. ولكن ملاذا يقوم اإلنسان باستمرار بتغيير نظامه الثقافي االجتماعي سواء عن طريق االختراع أو االستعارة

57 سيكولوجية التغير االجتماعي 57 تكاد جميع النظريات التي حتاول اإلجابة على هذه املسألة تستند إلى افتراض ضرب من ضروب الدوافع الغريزية للتغيير. واملنطق الذي تستند إليه هذه النظريات عادة يجري كما يلي: النظام الثقافي االجتماعي هو آلية التكيف الرئيسية لدى اإلنسان والتغير هو الطريق إلى حتسني هذه اآللية وهو بذلك يزيد من فرص بقاء اجلنس البشري. أي أن للتغير قيمة تكيف أو قيمة بقاء. وقد أدت قيمة البقاء التي يتصف بها التغير إلى تدوينه في مورثات اإلنسان في هيئة دافع غريزي للتغير. ويتجلى هذا الدافع الغريزي في طرق شتى. ومن الطرق التي تذكرها النظريات املختلفة الدافع الغريزي للعب والدافع الغريزي لالستكشاف والفضول الغريزي والدافع الغريزي لطلب التمتع والدافع الغريزي للتنظيم والدافع الغريزي لتقليل التنافر اإلدراكي. ولكن إذا كان الدافع الغريزي للخلق واإلبداع )التجديد( والتغير مدو نا في مورثات جميع أفراد النوع البشري فلماذا جند بعض املجتمعات أكثر إبداعا وخلقا من سواها السبب في ذلك يعزى إما إلى الشخصية أو إلى الثقافة والسبب الذي يعطى عادة هو أن جميع أنواع الشخصية أو جميع الثقافات ليست سواء في إتاحة الفرص للتعبير عن الدوافع الغريزية وحتقيقها. إن الدوافع الغريزية ال تقوم في فراغ وإمنا تتحكم بضبطها وتقنيتها املطالب السيكولوجية والثقافية للمجتمع. وبذلك نرى أن املجتمعات املختلفة قد ال تتساوى في درجة اإلبداع واخللق ويعود ذلك إلى نوع الشخصية االجتماعية السائدة في املجتمع أو إلى نظام العقاب واملكافآت املتبلور في التقاليد واملمارسات الثقافية في ذلك املجتمع. االستجابة تناولنا بالدرس في القسم السابق قضية أصل التجديدات أو منبهات التغير وسنتحدث هنا عما يحدث للتجديد عند إدخاله إلى املجتمع. تقابل التجديدات عند إدخالها إلى نظام ثقافي اجتماعي إما بالقبول بدرجات متفاوتة من التعديل أو بالرفض. إن قلة قليلة من التجديدات املدخلة في أي نظام ثقافي اجتماعي تقوى على البقاء فعال وتؤدي إلى إحداث تغيرات في النظام أما أغلبيتها فتمنى بالرفض وتقتل في مهدها دون أن تتاح لها فرصة ترك أي أثر ملموس في النظام. وكثير من التجديدات املدخلة يتعرض للتعديل والتخفيف بدرجات متفاوتة قبل اندماجه في النظام. وليست مسألة معرفة العوامل التي حتدد مصير جتديد ما من األمور التي يسهل اإلجابة عنها. ويذكر علم االجتماع مئات املتغيرات باعتبارها ذات صلة بالعملية ولكن ليست هناك طريقة مضمونة حلساب مساهمة كل متغير في النتيجة النهائية وكذلك ليست هناك طريقة متكننا من التنبؤ بحظ أي جتديد معني من القبول أو الرفض. وأقصى ما نستطيع عمله هو تقدمي بعض التخمينات التي ترتكز على املنطق وعلى الدراسات السابقة. ومن املتغيرات واالعتبارات التي ينبغي أن نأخذها في احلسبان عند القيام مبثل تلك التخمينات:

58 58 دراسات في الثقافة والتراث والهوية 1. القيمة الوظيفية والقيمة الرمزية لعنصر ثقافي: فالواقع أن كل شيء سواء أكان كلمة أو فكرة أو عنصر سلوك أو شيئا ماديا ميكن إدراكه والتعامل معه في مستويني: أوال التعامل مع الشيء بصفته شيئا في ذاته ميكن أن يستعمل استعماال وظيفيا لتحقيق غاية ما. وثانيا التعامل مع الشيء بصفته رمزا يدل على شيء آخر ويشير استعماله إلى نوع من العالقة مع ذلك الشيء من خالل الرمز. أ. القيمة الوظيفية: يتوقف اعتبارها هنا كمحدد لقبول العنصر اجلديد أو رفضه على الدرجة التي نتصور بها قدرة ذلك العنصر على املساهمة في تلبية شبكة من احلاجات أو الرغبات أو إحباطها وينبغي أن يالحظ القائمون على إدخال التجديدات عدة أمور منها: أن احلاجات كما يشعر بها املستقبل ليست مماثلة بالضرورة للحاجات كما يعرفها أو يشعر بها املانح أو املخطط للتغير. أن الوسائل الوظيفية التي توصل إلى الغايات التي تلبي احلاجات حتظى مبكافآت وبذلك تصبح هي نفسها حاجات ثانوية ويصبح من العسير االستغناء عنها. لذلك ينبغي أن تعطي الوسائل اجلديدة نتائج سريعة من أجل اإلقناع وحتويل الوسائل اجلديدة إلى حاجات ثانوية. إن العناصر التي يراد بها تكميل أو تعزيز فعالية الوسائل القدمية أيسر قبوال من تلك التي يراد بها احللول محل الوسائل القدمية. إذا لم تكن مجموعة من الناس تشعر بحاجة إلى عنصر ما فمن املمكن خلق احلاجة في نفوس أفراد املجموعة )وهذا هو الهدف لإلعالن( من أجل زيادة الرغبة والطلب على ذلك العنصر. ان العنصر الوظيفي الذي يتالءم بطبيعته مع نظام القيم األيديولوجية القائمة أيسر قبوال من العنصر الوظيفي الذي يتطلب إدخال قيم جديدة أو طريقة جديدة من التفكير. ب. القيمة الرمزية: من املمكن أال يعود قبول عنصر ما أو رفضه إلى ماهي ته أو الوظيفة العملية التي ميكن أن يؤديها لنا بل إلى ما يشير إليه أو ميثله أو يقترن به ذلك العنصر. وينبغي أن يراعي املرء بعض األمور هنا وال سيما إذا كان من املشاركني في إدخال التغير الثقافي االجتماعي أن العنصر الثقافي يصبح دائما مقترنا باملانح وممثال له وبذلك يجري تعميم شعورنا إزاء املانح سواء أكان حبا أو احتراما أو كراهية أو عداء أو غير ذلك بحيث يضفى على العناصر التي نأخذها منه ومن ثم ميكن أن تتحدد استجابتنا لذلك العنصر من خالل شعورنا نحو الذي أدخله.

59 سيكولوجية التغير االجتماعي 59 من أفضل الطرق لزيادة فرص قبول عنصر ما هي حتسني صورة املانح في ذهن املستقبل. ومن الطرق التي تزيد إمكانية قبول عنصر جديد مقترن مبانح غير مرغوب جتريد العنصر من أية إشارات أو عالقات مميزة تقرنه باملانح. بطريقة مماثلة ميكننا إعادة ترميز العنصر أي شحنه برموز ملانح مختلف ولكنه مرغوب. العناصر الشخصية كاملالبس وأثاث املنزل واملفردات هي جزء من هوية الشخص ولذلك تكون حساسة بشكل خاص إزاء القيمة الرمزية. وبإمكان الشخص أن يستعمل مثل هذه العناصر للتعبير عن الفكرة التي يحملها عن نفسه وعن عالقته باملانح وعالقته باملجموعة التي ينتمي إليها. لكل مجموعة من املجموعات هوية جماعية ومن املمكن تقييم العناصر اجلديدة بحسب مدى تناسب قيمتها الرمزية مع هوية املجموعة. وينطبق هذا بوجه خاص على املجموعات التي تتصف بهوية جماعية متينة وآمنة وخالفا لذلك ميكن للجماعة التي تعاني من إحساس بالقلق والنقص أن تكون مسرفة في سرعة تقبلها للعناصر اجلديدة أو األفكار اجلديدة التي تقترن مبجموعات ذات منزلة أعلى. في مثل هذه احلاالت ينبغي أن يعاد ربط العناصر اجلديدة املرغوب إدخالها باملجموعات األعلى مركزا ليسهل قبولها من قبل املجموعة األدنى مركزا. قد ترفض املجموعات املطمئنة إلى هويتها واملعتزة بها بعض العناصر املرتبطة بهوية مجموعات أخرى وفي مثل هذه احلاالت تعتبر أجنح الطرق في إدخال التجديدات لدى مثل هذه املجموعات القيام بإقناع قادة املجتمع احمللي بتبني هذه التجديدات األمر الذي يؤدي إلى إزالة التنافر القائم بني العناصر وبني هوية املجموعة. من األمور التي ينبغي أن يهتم بها املشتركون في التخطيط للتغير حتققهم من أن طريقة إبصار الناس ألنفسهم وتصورهم لها قد تكون مختلفة عن طريقة إبصارهم للناس الذين تتم استعارة العناصر الثقافية اجلديدة منهم. 2. الشخصية االجتماعية: يتوجب على العنصر الثقافي اجلديد قبل أن يحظى بالقبول أن يتناسب مع بنية الشخصية االجتماعية للمجموعة ويقصد بذلك هنا مجموعة من التوجهات والقيم الثقافية العريضة ومنها:

60 60 دراسات في الثقافة والتراث والهوية أ. اهتمام املجتمع باألشياء املادية في مقابل اهتمامه بالقيم املعنوية املجردة. ب. توكيد القرابة واالتكال املتبادل وتضامن املجموعة في مقابل االستقالل والفردية. ج. توكيد أهمية التقاليد في مقابل حتمل وقوع التغير. د. مدى االهتمام بالقدمي في مقابل التجديد. 3. املانح: قد يكون للمانح أو القائم بإدخال التجديد شأن كبير في الطريقة التي ي ستقبل التجديد بها: أ. مقتضيات الهوية كما مت شرحها آنفا. ب. قد تكون النيات الكامنة وراء التجديد موضعا للشك أو غير مقبولة بالرغم من كون العنصر نفسه مرغوبا. فهل املانح محتل أم مستعمر أم مبشر أم تاجر أم إداري أم زعيم مجتمع محلي أم خائن إن لكل حالة معناها وأهميتها اخلاصة. 4. املجموعات الفرعية: قد يؤدي تكون املجموعة من عدة مجموعات فرعية مختلفة ثقافية أو عرقية أو اجتماعية أو قرابية أو غير ذلك بدال من كونها مجموعة متجانسة إلى نتائج مهمة بشأن إدخال التجديد في مثل ذلك املجتمع. أ. قد يكون للمجموعات الفرعية املختلفة أنواع مختلفة من املنافع القائمة واملظالم واملطامح والرغبات واحلاجات تؤدي جميعا إلى طرائق مختلفة في إدراكها للعنصر اجلديد ومن ثم استجاباتها لذلك العنصر. ب. من املمكن أن تعارض املجموعات املنتفعة من الوضع القائم حدوث أي تغير في حني يرغب احملرومون في حدوث أي تغير يساعد في القضاء على الوضع القائم. ج. حيث توجد عدة مجموعات فرعية متنافسة قد يؤدي أي تغير يتم إدخاله من قبل أي مجموعة فرعية أو من خاللها إلى معارضة أو مقاومة تلقائية تقوم بها املجموعات الفرعية األخرى. ثم إن ملقتضيات الهوية التي ذكرناها آنفا صلة مهمة في مثل هذه احلاالت. د. قد ي ستغل تبني أي عنصر جديد كرمز للداللة على قيام أحالف وارتباطات بني بعض املجموعات الفرعية.

61 سيكولوجية التغير االجتماعي 61 مستويات النظام الثقافي االجتماعي لقد قلنا مرارا في هذا البحث أن النظام الثقافي االجتماعي هو نظام متعدد الطبقات يتألف من أربعة مستويات على األقل أكثرها جتريدا مستوى القواعد التي ندرك بها العالم من حولنا وأقلها جتريدا عناصر الثقافة املادية. أما أين وكيف تتم مواءمة عنصر جديد مع هذا النظام فأمر له شأنه من حيث قبول العنصر اجلديد أو رفضه. أ. بوجه عام كلما ازداد املستوى الذي ينتمي إليه العنصر اجلديد جتريدا زادت املقاومة التي يتعرض لها. ب. كلما ازداد املستوى جتريدا زادت التعديالت الالزمة في املستويات األخرى. ج. كلما ازداد املستوى جتريدا زاد التغير الكلي املتولد بعد قبول العنصر. الضغط من املمكن أن تتأثر االستجابة للتجديد مبقدار الضغط الذي يتعرض له الفرد أو اجلماعة من أجل قبول عنصر جديد أو رفضه. وفي العادة يصدر هذا الضغط لقبول التجديد عن املانح كاحملتل أو املستعمر أو املبشر أو احلاكم أو التاجر أو الزعيم أو املصلح االجتماعي أو الثوري أو املوظف احلكومي. أما الضغط لرفض العنصر اجلديد فيأتي عادة من اجلماعة املستقبلة. وقد جتري ممارسة الضغط وفقا خلطة واعية مدبرة أو قد تكون تلقائية غير مخطط لها بل غير واعية أحيانا. ومن الضغوط غير املخطط لها ما يلي: أ. الضغط االجتماعي واالجتاهات والشائعات و«القيل والقال«والعزل االجتماعي. ب. قد يكفي نفوذ ومنزلة املانح املالية بحد ذاتها خصوصا إذا كان املانح إمبراطورية أو دولة كبرى أو فاحتا أو محتال إلخضاع املجموعة املستقبلة لضغوط سيكولوجية شديدة من أجل قبول العناصر التي يدخلها املانح أو التي تقترن به. ج. وفي اجلانب اآلخر يؤدي الشعور بالدونية والنقص لدى مجموعة إلى إخضاعها لضغوط سيكولوجية شديدة من أجل التخلي عن ثقافتها ومجاراة ومحاكاة من هم أقوى وأكثر نفوذا منها. أما الضغوط التي تأتي نتيجة تخطيط واع لقبول التجديدات أو رفضها فيمكن تقسيمها إلى نوعني أساسيني: املكافآت والعقوبات. وكل من هذين النوعني قابل

62 62 دراسات في الثقافة والتراث والهوية للتنوع من الصنف الدقيق اخلفي إلى الصنف اخلشن الفج املادي والبذيء وبني هذين القطبني طرائق ضغط معاصرة أكثر حتضرا تعتمد على وسائط اإلعالم واألنظمة التعليمية في غسل الدماغ ودفع الناس إلى قبول شيء ما أو رفضه. والواقع أن الطرق التي تستعملها وسائط اإلعالم والنظم التعليمية أكثر عددا وتنوعا من أن نعددها هنا وحسبنا هنا القول بأن هذه الطرائق توجه جهودها لتحقيق غايتني أساسيتني: أ. خلق حاجات جديدة تتطلب اإلشباع أو جعل احلاجات القائمة أكثر وعيا وإحلاحا وحتويل الوسائل إلى غايات. ب. الربط بني العناصر اجلديدة املنوي إدخالها وبني هذه احلاجات وإظهار صالحية هذه العناصر إلشباع حاجات الفرد وإثابته وجعله سعيدا وإظهار كيف أن االفتقار إليها يؤدي إلى مشاعر اإلحباط والبؤس واحلرمان.

63 التحديث والعائلة املمتدة * أدت التكنولوجيا املعاصرة وال سيما تكنولوجيا االتصال والنقل إلى دمج العالم في إطار قرية واحدة كبيرة. ولم يبق في العالم الكثير من اجلماعات البشرية املعزولة بل إن أقصى اجلزر أصبحت سهلة الوصول وأبعد الغابات يسيرة الدخول ولم تعد عملية االتصال تواجه عوائق احلواجز اجلغرافية وال تدفق املعلومات متوقفا عند حدود عرقية أو ثقافية أو لغوية أو سياسية. أما القول املأثور الشرق شرق والغرب غرب فلم يعد صحيحا إذ أن اجلانبني يلتقيان ويتصالن ويتبادالن األفكار فيما بينهما. والواقع أن تبادل األفكار هذا يسبب قيام تعديالت وتوافقات متبادلة. ويطلق علماء االجتماع على هذه التعديالت أسماء شتى منها التغير االجتماعي والتغير الثقافي والتأثر الثقافي وغيرها. وبالرغم من أن التأثير متبادل بعض الشيء إال أن التبادل بني الشرق والغرب ليس متساويا متاما فقد كان تدفق األفكار والتأثير الثقافي في «هذا املقال هو عبارة عن ترجمة وتلخيص للمقال التالي: Kanaana, Sharif (1975). "Modernization and the Extended Family". The Wisconsin Sociologist, Vol. 12, No. 1 وقد ساعد في الترجمة مشكورا األستاذ علي خليل حمد.

64 64 دراسات في الثقافة والتراث والهوية القرنني أو الثالثة األخيرة على األقل أقوى في االجتاه املؤدي من الغرب إلى الشرق منه في االجتاه املضاد ومن ثم استلزم األمر أن يجري الشرق تعديالت أكثر أو يتعرض لتغير ثقافي أوسع في استجابته ألفكار الغرب من استجابة الغرب ألفكار الشرق. وقد بلغ هذا الفرق حدا جعل أحد أشكال التغير الثقافي - والذي ندعوه التحديث - يبدو كتيار عاملي غير قابل للردع أو االحتواء. عندما ننعت مجتمعا ما بأنه )حديث( فإننا نقصد بذلك بوجه عام دولة قومية تتسم مبرك ب من السمات منها أسلوب احلياة احلضري ومستوى عال من التعليم والتصنيع واملكننة املوسعة ومعدالت عالية من التنقل االجتماعي وما إلى ذلك.)Inkeles and Smith, 1966:353( تعتبر جميع السمات التي يتألف منها املرك ب الذي مييز املجتمع احلديث ذات ارتباط بعملية أساسية وهي التصنيع. وقد خلص أبلباوم )1970 )Appelbaum, بعد مناقشة عدد كبير من نظريات التحديث إلى أن معظم الكتاب. ومن ضمنهم سملسر ينطلقون في تعريفهم للتحديث من منطلق تكنولوجي على اعتبار أن التحديث هو جزء ال يتجزأ من عملية التصنيع. أما املسألة األساسية التي تطرحها هذه الدراسة فهي التالية: هل يعتبر مركب السمات الذي مييز األسلوب املعاصر متطابقا لدى جميع املجتمعات القائمة بالتحديث وهل للتحديث نتيجة واحدة في جميع الثقافات واملجتمعات وهل التصنيع على النمط الغربي هو النوع الوحيد املمكن من أنواع التصنيع إن أكثر نظريات التحديث جتيب عن هذه األسئلة باإليجاب فهي ترى أن سمات مركب التحديث مرتبطة ببعضها البعض بحيث يؤدي التغير في أي منها إلى تغير مساو ومواز في جميع السمات التي يتألف منها املركب. ولنعد إلى أبلباوم الذي يقدم لنا تلخيصا مركزا لهذه األجوبة. ففي هذا املوضوع يقول ابلباوم: تولي نظريات التحديث اهتماما كبيرا ملالزمات التصنيع... وتعتبر هذه النظريات وحيدة االجتاه ألنها ترى أن كل املجتمعات تشهد سلسلة متوازية من التحوالت في أثناء عملية التصنيع. ويؤدي ذلك إلى نتيجة نهائية متجانسة إلى حد كبير. وبذلك تعتبر عملية التصنيع عاملية من حيث تأثيرها ويسهل التنبؤ بنتائجها النهائية 36( )Appelbaum, 1970 : وفحوى هذا القول أن التحديث يطابق التغريب وحني تتم عملية التحديث يصبح جلميع الثقافات احلديثة سمات ثقافية متطابقة للسمات القائمة في املجتمعات الغربية املتقدمة في ميدان التصنيع. ومن جهة أخرى جند بعض الكتاب الذين يرون أن التصنيع ال يستلزم قيام مالزمات متطابقة بني مختلف الثقافات. وإذا صحت وجهة النظر هذه فهي تعني وجود أكثر

65 التحديث والعائلة املمتدة 65 من لون من األلوان التي يتخذها األسلوب املعاصر وأن للتصنيع بالطريقة الغربية بدائل وأن النواجت النهائية جلميع أنواع التصنيع ليست بالضرورة متجانسة. ومن هؤالء الكتاب جون غوليك الذي أعطى مثاال في مقال عنوانه القيم القدمية واملؤسسات اجلديدة في مدينة عربية لبنانية (1965 (Gulick, يوضح كيف أن التحديث ال يطابق التغريب بالضرورة. ويوضح غوليك ما وجده في مدينة طرابلس اللبنانية من أن سمتني من السمات التي تعتبر عادة ضرورية للتحديث تسيران مبعدلني مختلفني متاما ويقول في ذلك: إن االهتمام الشديد بالتعليم املعاصر في لبنان والذي متثله طرابلس أحسن متثيل متالئم مع حاجة التصنيع للتعليم والتدريب الفني. ولكننا جند هذا االهتمام مقرونا بازدراء العمل اليدوي وامليكانيكي وقد لوحظ وجود هذا االزدراء على نحو واسع في الثقافات اآلسيوية وهو يعتبر بوجه عام عائقا من عوائق نشوء جماعة كبيرة من الفنيني والعمال الصناعيني ذوي التدريب اجليد فيها. ثم يلخص غوليك بحثه بقوله: وهكذا جند في طرابلس عددا من األمناط الثقافية تختلف عما يتوقعه املرء عندما يطبق النظرية الصناعية الغربية وواحد من هذه األمناط على األقل يرى الكثيرون أنه ال يتفق مع التصنيع الغربي 52(.)Gulick, 1965: ومن األمناط الثقافية األخرى ذات الصلة الوثيقة باجلدل املذكور آنفا مؤسسة العائلة املمتدة التي يجدها املرء في منطقة الثقافة الشرق أوسطية بأسرها. وسأحاول في هذا البحث استعمال املؤسسة الثقافية هذه أي العائلة املمتدة إللقاء بعض الضوء على هذه القضية التي يدور حولها اجلدال. وقد كان الختيارنا موضوع العائلة املوسعة وسيلة اختبار عدة أسباب منها حتققنا من: أن العائلة املوسعة كسمة ثقافية ليست من سمات املجتمعات الغربية ذات التصنيع املتقدم بل تعتبر غير متفقة مع الصناعية الغربية وغير قادرة على التواجد معها ألنها بحسب طبيعة بنيتها تعارض بعض السمات كالفردية واملنافسة والتنقل االجتماعي واجلغرافي والتي هي بدورها من مستلزمات التصنيع األساسية. أما العائلة النووية فهي اللون الوحيد من ألوان بنية العائلة القائم في املجتمعات الغربية الصناعية ومن املعتقد أنها البنية العائلية الوحيدة التي تتفق مع الصناعة. ومن جهة أخرى تعتبر العائلة املوسعة متفقة مع أسلوب العيش الزراعي. ومن األسباب األخرى الختيارنا العائلة املوسعة أن هذه املؤسسة سمة من سمات بعض املجتمعات التي تشهد في الوقت احلاضر قدرا كبيرا من التصنيع والتحديث ومن ثم يكون بوسعنا مشاهدة أثر التحديث على العائلة املوسعة بشكل مباشر. واحلق أن االعتقاد بالتناقض بني العائلة املوسعة وبني التحديث قد بلغ في االنتشار حدا جعل أكثر الدراسات حتجم عن التساؤل بشأن تأثير التحديث على العائلة املوسعة وإمنا تعتبر من مسلماتها أن العائلة املوسعة ستختفي كمؤسسة اجتماعية عن مسرح الشرق األوسط أمام موجة التحديث. وترى إحدى الدراسات Goode,(

66 66 دراسات في الثقافة والتراث والهوية 1963( كما يشير وليامز ووليامز )59 Williams, :1965 )Williams & أن العائلة املمتدة مثال وهمي اختفى من الوجود منذ أمد طويل. أما جون غوليك الذي وجد في دراسته التي اقتبسناها أعاله )1965 )Gulick, أن التحديث املعاصر في لبنان لم يسبب فيما يظهر أي تصدع للعائلة )52 )ibid: فقد عاد بعد ثالث سنوات من ذلك التاريخ فنسي نتائج دراسته ذاتها وسلم بصحة النظرية الصناعية الغربية التي كان قد هاجمها وانساق في تأمالته بشأن مستقبل الصحة العقلية لسكان الشرق األوسط. وفي البحث الذي قدمه غوليك بعنوان التغير الثقافي والتوافق السيكولوجي في املجتمع العربي والشرق األوسط في املؤمتر الدولي الثامن للعلوم االنثروبولوجية في طوكيو توقع غوليك حدوث حتسن كبير في الصحة العقلية لشعوب الشرق األوسط من جراء تقدم التحديث في املنطقة والذي سيؤدي بشكل طبيعي إلى اختفاء العائلة املمتدة ذلك النظام الضار بالصحة العقلية لألفراد. ومن اجلدير بالذكر أن هنالك دراستني حديثتني أولتا اهتمامهما لالرتباط بني التحديث وبني بنية العائلة املمتدة بوجه خاص وقد انتهتا إلى نتيجتني متناقضتني. أولى هاتني الدراستني قام بها هنري روزنفلد في إحدى القرى العربية الفلسطينية في إسرائيل )1958.)Rosenfeld, وقد وجد روزنفلد في دراسته تلك أن التحديث نتيجة التبادل الثقافي مع املجتمع اإلسرائيلي املعاصر قد عجل من عملية انشطار العائلة وحتللها. أما دراسة وليامز ووليامز في قرية حوش احلرميي اللبنانية فقد أظهرت من جهة أخرى أن العائلة املمتدة في حوش احلرميي برغم تبعثر أماكن سكناها في كثير من األحوال ال تزال متكاملة ومتماسكة لم تلحق بها أضرار من الناحية الوظيفية وفي احلقيقة يبدو أن متاسكها نفسه عامل أساسي في إمكان حدوث التغيير. كما أن التغيير بدوره قد عزز من متاسك العائلة املمتدة وشد أزر بنيتها الساللية وقد حدث ذلك على حساب متاسك الوحدات النووية في بعض األحيان. وفي احلق أن العالقات ضمن العائلة املمتدة والتي اتصفت دائما بوظائف خلقية وسياسية واجتماعية قد اكتسبت أسسا براغماتية واقتصادية جديدة ) 64 Williams, 1965:.)Williams & ما من شك في أن التناقض الكامن في طبيعة هذه النتائج يبعث على الدهشة واحليرة وهو صحيح بوجه خاص إذا تذكر املرء أن الفاصل الزمني بني هاتني الدراستني لم يتجاوز سنوات قليلة وأن الدراستني أجريتا في قريتني ال يزيد البعد بينهما عن مئة من األميال وأن املجتمعني احملليني فيهما يتألفان من مجموعات لغوية ودينية وثقافية وعنصرية متشابهة وتعيشان العملية ذاتها أال وهي التحديث أو التبادل الثقافي مع ثقافة تصنيع غربية معاصرة. وأشد من ذلك إثارة للدهشة ما يلمحه املرء للوهلة األولى من نتائج للدراسة التي قام بها كاتب هذا املقال في قرية عربية في إسرائيل فقد دلت هذه الدراسة على أن املرء يجد حتى في القرية نفسها تغيرات في

67 التحديث والعائلة املمتدة 67 بنية العائلة تتخذ اجتاهات شتى وتتحرك بسرعة مختلفة عند مختلف القطاعات في املجتمع احمللي في القرية. بيد أن نظرة ثانية إلى تلك املعطيات تكشف لنا النقاب عن أن وجهات النظر املتناقضة في ظاهرها بشأن التغير في الشرق األوسط ليست في واقع األمر متناقضة بذلك القدر ومن املمكن التوفيق بينها وتفسيرها ضمن إطار نظري واحد. هذا اإلطار يعتمد على فكرة بسيطة وهي أن التغير في بناء العائلة هو جزء من االستجابة الكلية نحو التوافق مع الوضع الذي وجد السكان العرب أنفسهم فيه حتت احلكم اإلسرائيلي واالستجابة لوضع جديد متليها طريقة فهم وإدراك الناس لذلك الوضع. ويظهر أن إدراك السكان العرب للوضع اجلديد وكذلك ردود فعلهم على هذا الوضع تتناسب مع وضع كل منهم في الترتيب الطبقي ملجتمعهم. ويبدو لنا أن احملدد األكبر لعضوية الطبقات هو مقدار األراضي التي كان ميتلكها أبناء كل طبقة قبل قيام الدولة اليهودية. وقد كانت األرض آنذاك مصدر الدخل املهم الوحيد للمزارعني من أبناء القرى الفلسطينية وكان مقدار األراضي املمتلكة هو العامل الذي يؤدي إلى نشوء فروق هامة في أسلوب احلياة العام أو التكيف العام بني الطبقات الثالث. ويظهر أن مقدار األراضي املمتلكة قد سبب أو على األقل ارتبط بعوامل اجتماعية تكفي إلحداث فروق في الطريقة التي أدركت بها املجموعات املختلفة األوضاع التي نشأت بعد حرب وفي ذلك احلني كان سكان القرى الفلسطينية ينقسمون إلى ثالث طبقات متمايزة إلى حد ما: الطبقة العليا املؤلفة من األغنياء الذين ميتلكون معظم األراضي دون أن يعملوا فيها والطبقة املتوسطة املؤلفة من الفالحني البسطاء الذين ال يكادون يقومون بأودهم من استثمار األراضي القليلة التي ميتلكونها والطبقة الدنيا املؤلفة ممن ال ميلكون أية أراض وإمنا يعيشون من عملهم لدى الطبقة العليا. وقد سلكت التغييرات في تركيبة العائلة منذ 1948 سبال مختلفة في هذه الطبقات الثالثة. التغيير في تركيبة العائلة لدى الطبقة العليا كان ألبناء هذه الطبقة قبل قيام إسرائيل أكبر العائالت املمتدة وأكثرها متاسكا وترابطا وقد منحهم كبر حجم العائالت ومتاسكها أهمية ونفوذا أفادوا منهما كل الفائدة في السيطرة على شؤون سائر أبناء القرية وإدارة تلك الشؤون. كما كانت تتوفر لهم الوسائل االقتصادية الالزمة لالحتفاظ مبثل تلك العائالت الكبيرة والدنو مما يطمح إليه العرب جميعا أال وهو: العائلة املمتدة. ومن جهة أخرى كان أرباب العائالت من أبناء هذه الطبقة هم وحدهم القادرين اقتصاديا على إقامة منازل مستقلة وأسر مستقلة لكل من تزوج من أبنائهم وكثيرا ما فعلوا ذلك. أما اآلن فقد اختفت معظم تلك الوظائف التي كانت للعائلة املمتدة تؤديها ولم يعد حلجم العائلة في ذاته من األهمية ما كان سابقا. وكذلك لم تعد العائالت االرستقراطية تدير

68 68 دراسات في الثقافة والتراث والهوية شؤون باقي أبناء القرية بل لم يعد في وسعها الهيمنة عليهم من الناحية االقتصادية أو السياسية ولم يعودوا ميلكون أراضي واسعة وغيرها من املمتلكات التي تستلزم إدارتها عددا كبيرا من الناس. وبالرغم من ذلك فإن العائلة املمتدة كوحدة بنيوية ووظيفية ما زالت البنية العائلية الوحيدة القائمة لدى هذه الطبقة. بل إن املستويات التي فوق مستوى العائلة املمتدة كاحلمولة مثال هي اآلن عند هذه الطبقة أكثر متاسكا مما كانت عليه قبال. وليست األسباب في هذا أسبابا وظيفية باملعنى املادي أو االقتصادي بل باملعنى العاطفي الوجداني. ويبدو لنا أن أبناء هذه املجموعة يتراصون إليقاف زحف الواقع اجلديد الذي هم ينكرون وجوده وإلقفال عاملهم اخلاص إزاء العالم اخلارجي الذي لم يعد خاضعا لسيطرتهم بل أصبح يسير في اجتاهات تهدد مصاحلهم وأسلوب حياتهم وحتى مجرد بقائهم كطبقة اجتماعية. التغييرات في تركيبة العائلة لدى الطبقة الدنيا فيما مضى كان أبناء هذه الطبقة يرتزقون مبا يقومون به لدى عائالت الطبقة العليا من أعمال في املزارع وخدمات في البيوت. ولم تكن هذه الطبقة تشتمل على عائالت ممتدة إذ لم يكن لديها األسس االقتصادية الكافية لقيام حياة عائلة ممتدة وإمنا كان امل سنون من الوالدين واألعمام والعمات واألقارب أعباء اقتصادية ال يقوى رب العائلة من هذه الطبقة على احتمالها. وينطبق األمر ذاته على األخوة األطفال والشقيقات غير املتزوجات. فحني كان األطفال وال سيما الذكور منهم يصلون مرحلة يصبحون عندها قادرين على بناء عائالت خاصة بهم فإنهم سرعان ما كانوا يتركون بيوت آبائهم سعيا إلى حتقيق حياة أفضل وإلى ضمان بقائهم وبقاء أطفالهم. وعلى الصعيد النفسي كان أبناء هذه الطبقة يعانون من ضعف معنوي ناجت عن عدم متكنهم من االعتزاز بعائلتهم أو حسبهم ألن ذلك كان يتضارب مع والئهم للعائالت التي كانوا يعملون لديها ويعتمدون في معيشتهم عليها. خالصة القول أنه لم يكن في وسع أبناء هذه الطبقة إقامة عائالت ممتدة بأي حال من األحوال وإمنا عاشوا دائما تقريبا في إطار عائالت نووية صغيرة بل أن كثيرا منهم لم يتمكنوا من الزواج وبناء األسر. وقد تغير هذا احلال عندما أصبح العالة من األطفال يحظون بدعم حكومي و العالة من كبار السن يحصلون على مخصصات من التأمني االجتماعي ودائرة الشؤون االجتماعية كما أن كثيرا من النساء التحقن بسوق العمل وأصبح في وسع كل من يرغب في العمل كسب ما يقيم أود عائلته. ولم يعد أحد في األحوال اجلديدة مضطرا إلى االنفصال النفسي أو اجلسدي عن العائلة واألقارب ألسباب اقتصادية. إن هذا االستقالل الذي متكن الفقراء احملرومون سابقا من حتقيقه مؤخرا يفسح املجال أمام أبناء هذه الطبقة للوفاء بالتزامات مالية وعاطفية نحو أقاربهم والوقوف في الصراع بني األغنياء والفقراء بل يبدو أنهم يجدون لذة في حتدي سلطة أولياء نعمتهم السالفني. ثم إن ما حظي به الشعور باحترام الذات

69 التحديث والعائلة املمتدة 69 من تعزيز لدى هؤالء الفالحني الفقراء وال سيما الشبان منهم بسبب االستقالل االقتصادي وتأثير القومية العربية والتعليم وحتسن احلالة الصحية وما إلى ذلك أصبح يفسح املجال أمام كثير من هؤالء الشبان للوفاء بالتزاماتهم االقتصادية واالجتماعية والعاطفية إزاء اآلباء واألشقاء واألقارب بوجه عام. وباختصار نقول أن األحوال االجتماعية واالقتصادية ألبناء هذه الطبقة قد شهدت حتسنا واسع النطاق في غضون اخلمس وعشرين سنة املاضية. وقد أتاح ذلك ظهور العائلة املمتدة وتقوية روابطها بني أبناء الطبقة الدنيا حيث لم تكن مألوفة سابقا. التغييرات في تركيبة العائلة لدى الطبقة املتوسطة كان كل من أبناء هذه الطبقة فيما مضى ميتلك جزءا من األرض يفلحه بنفسه لكسب رزقه الضئيل الذي يتيح له بعض االستقالل االقتصادي على األقل من سيطرة الطبقة العليا. وكانت العائلة املمتدة عندهم مثاال يتطلعون إليه فيظفر به بعضهم ويقترب منه أكثرهم بدرجات متفاوتة. وبحسب مقدار األرض املمتلكة كانت العائلة املمتدة تصبح وحدة اقتصادية ذات فعالية وجناعة عند أبناء هذه الطبقة الذين كانوا يضمون سواعدهم للعمل جميعا من أطفال ونساء ورجال الستغالل األرض إلى أقصى حد ممكن. وقد مكن ذلك بعض العائالت املمتدة الكبيرة احلجم من العيش على قطع من األراضي لم تكن لتعيلها لو أنها قسمت بني الوحدات النووية التي تتألف منها العائلة بأسرها فقد كان األبناء الذكور يتركون العائلة لتخفيف بعض األعباء االقتصادية عن كاهلها وفي مثل تلك احلاالت كان هؤالء األبناء يهاجرون إلى املدن أو إلى قرى أخرى أو يشغلون بعض املهن غير الزراعية في القرية كالعمل في احلوانيت أو احلالقة أو احلدادة أو التجارة أو قلع احلجارة أو البناء أو غير ذلك من أنواع العمل. والواقع أن تغيرا كبيرا قد طرأ على توازن القوى التي تساند كيان العائلة املمتدة والقوى التي تضعف من شأنها في ربع القرن املاضي. ويرجع ذلك في معظمه إلى التغييرات التي شهدها اقتصاد القرية ولهذا التغيير ثالثة جوانب رئيسية: أولها تيسير العمل وال سيما في قطاع البناء في املدن والبلدات اليهودية وثانيها التحول إلى استثمار احملاصيل النقدية وثالثها التحديث واملكننة في الطرق الزراعية. وقد نتج فيما نتج عن هذه التغييرات أن أصبح في وسع أحد أبناء العائلة أن يفلح األرض في حني يعمل أبناؤها اآلخرون في البلدان اليهودية. والواقع أن االزدهار االقتصادي لهذه الطبقة قد أدى إلى تغيرات عدة ففي الطرف األدنى من السلم االقتصادي جند أن الكثير من الضغوط التي كانت تسبب تفسخ العائلة املمتدة فيما مضى قد زالت وأن العائلة املمتدة قد أخذت تتوثق عراها على النحو الذي شرحناه بشأن أبناء الطبقة الفقيرة. ومن جهة أخرى نرى أن أرباب العائالت املمتدة أصبحوا اآلن قادرين على تكوين أسر منفصلة شبه مستقلة لكل من الوحدات النووية الفرعية وكذلك أصبح في وسع األبناء الذكور الساخطني على سيطرة األب

70 70 دراسات في الثقافة والتراث والهوية أو األخ األكبر أو الراغبني لسبب من األسباب في االنفصال عن باقي أبناء العائلة بعد أن كانت الضرورات االقتصادية تقف عائقا أمام انفصالهم أصبح في وسعهم اآلن الظفر باستقاللهم ألن األرض لم تعد مصدر الرزق الوحيد. ومن الناحية البنيوية نرى أن ما يحدث في هذه األيام هو غلبة ظاهرة العائلة اجلذعية حيث يبقى القاصرون من أفراد عائلة األب مع أحد أبنائه الكبار املتزوجني وهو األكبر في العادة يقومون بفالحة األرض معا في حني يقيم األبناء اآلخرون املتزوجون أسرا شبه مستقلة في بيوت تقع في العادة على مقربة من سكن أسرة والدهم. بيد أن هذا االنفصال أو االنشطار في العائلة املمتدة يقتصر في أغلب أحواله على إقامة مساكن مستقلة وال ميس العائلة املمتدة بالضرر بل تبقى العائلة مبجموعها وحدة وظيفية في جميع اجلوانب األخرى. ومن قبيل تلخيص نتائج هذه الدراسة بشأن تأثيرات التغير والتحديث على العائلة املمتدة نقول أنه لو أننا اتخذنا معيارنا األساسي في تعريف العائلة املمتدة اإلقامة في البيت أو املجتمع نفسه ومشاطرة األعمال البيتية في األسرة الواحدة ألمكن القول عندئذ بأن عملية التحديث التي شهدتها القرى العربية في إسرائيل حتى اآلن قد أسفرت عن ضعف ملحوظ للعائلة املمتدة لدى الطبقة املتوسطة وتعزيزها لدى الطبقات العليا والدنيا. ولو أننا اعتبرنا من جهة أخرى الواقع النفسي للعائلة املمتدة قائما ليس على أسس اإلقامة في سكن مشترك بل على الشعور بالتماهي واملسئولية املشتركة بني جميع أبناء تلك الوحدة وعلى شعور االلتزام بتقدمي الدعم املادي واملالي والعاطفي واألدبي جلميع أبناء تلك الوحدة والوقوف صفا واحدا في مساندة كل عضو من أعضائها وحمايته عندئذ ميكننا القول واثقني بأن العائلة املمتدة في استجابتها لعملية التحديث قد ازدادت قوة بني العرب في إسرائيل. وال يقتصر األمر على ذلك وإمنا ميكننا القول بأن هذه النتائج تؤكد النتيجة التي توصل إليها وليامز )والتي ذكرناها آنفا ( بأن العائلة املمتدة ما فتئت سليمة من الناحية الوظيفية في وجه التغيير بل أن قوة العائلة املمتدة وتكاملها قد ساعدا في حدوث عملية التغيير والتحديث. وفي وسعنا أن نستنتج بعد الوصف السابق ألنواع التكيف الثالثة لدى السكان العرب في إسرائيل بأن العائلة املمتدة ليست بالضرورة متناقضة مع التحديث وأن التحديث ال يستلزم قيام ناجت متجانس حتى في داخل املجتمع احمللي الواحد ذاته. وختاما نقول في محاولة لتفسير النتائج املتناقضة التي تلخصت عنها الدراسات السابقة وتنوع استجابات التحديث لدى السكان العرب في إسرائيل أنه من املفيد اعتبار عملية التحديث عبارة عن طائفة من قوى جديدة ناجتة عن موقف االتصال الذي طرأ على حياة مجموعات بشرية مكونة من كائنات بشرية فردية استجابت

71 التحديث والعائلة املمتدة 71 لتلك القوى أو لتلك املؤثرات. وقد تهدد هذه القوى اجلديدة الفرد وذلك ألنها تعرض للخطر منط تكيفه ومصاحله ومن جهة أخرى ميكن لهذه القوى اجلديدة أن تفتح آفاقا جديدة للفرد ومتنحه فرصا جديدة لتحقيق إشباع أفضل حلاجاته ونيل األهداف التي يسعى نحوها. وسواء أكانت هذه القوى منذرة باخلطر أم حافلة بالوعود فإنها حتث الفرد على إجراء التعديالت من أجل مواجهتها والتفاعل معها. وتختلف استجابة األفراد من بني البشر في هذه األحوال وفقا إلدراكهم للتهديدات والفرص التي ينطوي عليها املوقف.

72

73 تأثيرالتغييراالجتماعي واالقتصادي على أوضاع املرأة * في الضفة الغربية إن من يريد أن يتحدث عن مثل هذا املوضوع يجب أن يكون قد قام بعمل ميداني وقام بجمع املعلومات األولية املباشرة عن التغييرات االجتماعية واالقتصادية التي حدثت وعن التغيير في أوضاع املرأة وأن تكون هذه الدراسة إحصائية ومضبوطة من جهة طرق البحث ووسائله وطرق حتليل املادة وما إلى ذلك. واحلقيقة أنني لم أقم مبثل هذا البحث وال أعرف أشخاصا قاموا ببحث هذا املوضوع بالذات في الضفة الغربية. لقد قمت بأبحاث قريبة من هذا املوضوع ولكن بني السكان العرب في اجلليل وليس في الضفة. وقد عشت في الضفة الغربية ودر ست في مؤسسات التعليم العالي فيها خالل السنوات األخيرة. هذه طريقة مطولة للقول بأنني ال أعرف كل ما يجب أن ي عرف عن هذا املوضوع ولكني أعرف عنها بعض الشيء. وما أعرف ال يؤهلني «محاضرة أعطيت ملوظفي الشؤون االجتماعية في الضفة الغربية أثناء يوم دراسي حول وضع املرأة في الضفة الغربية بتاريخ 1981/1/29 في جمعية البر بأبناء الشهداء في أريحا.

74 74 دراسات في الثقافة والتراث والهوية للحديث بشكل دقيق وإحصائي عن احلقائق ولذلك سأجلأ إلى بعض ما يلجأ إليه رجال العلم عندما يواجهون بوضع مثل وضعي احلالي أي أنني سأحتدث عن العموميات وأحاول أن أثير بعض التساؤالت في ذهن السامع وأطرح بعض النقاط التي قد تساعد في حتليل وفهم املوضوع الذي نحن بصدده. دعونا نكون واضحني بخصوص املوضوع املطروح. نحن نتحدث عن التغييرات االقتصادية واالجتماعية وأعتقد أننا نقصد تلك التي حصلت منذ 1967 وكنتيجة لظروف االحتالل. وعندما نتكلم عن أوضاع املرأة في إطار يوم دراسي قام بترتيبه والدعوة إليه دائرة الشؤون االجتماعية فأنا أعتقد أن املقصود هنا أن مكاتب وموظفي الشؤون االجتماعية يواجهون املزيد من املشاكل بني النساء والفتيات في الضفة الغربية ويسعون إلى احلصول على فهم ألسباب هذه املشاكل من أجل إيجاد حلول لها. وموظفو الشؤون االجتماعية هم جزء ال يتجزأ من املجتمع وحساسون لنفس املشاكل ذات احلساسية العالية ملجتمعنا وهي بالنسبة للمرأة والفتاة مشكلة اجلنس والعالقات بالرجل بشكل عامة وما يترتب عليها من مفاهيم مثل العرض والشرف. وأستخلص من ذلك أن السبب الرئيسي في هذا اليوم الدراسي هو ازدياد املشاكل الناجتة عن عالقات جنسية أو غرامية لدى فتيات ونساء مجتمع الضفة الغربية. واالنطباع الذي تعطيه هذه املشاكل هو حدوث انحالل في القيم والضبط االجتماعي في مجتمع الضفة الغربية. والسؤال املطروح هو: ماذا نفعل ملنع هذا االنحالل والتسيب أحد الردود املمكنة على هذا السؤال هو القول بأن املشكلة موجودة في ذهن أفراد املجتمع وليس لدى الفتيات. فلو قبلنا العالقات العاطفية بني الشباب كشيء طبيعي وحددنا القيم والظروف املناسبة لهذا التعريف ملا كانت هناك مشاكل وملا كانت هذه األحداث التي جتر إلى كوارث للفتيات بهذا الشكل. وعندها يكون اجلواب: مطلوب تغيير قيم املجتمع ونظرته إلى العالقات بني اجلنسني. ولكن لندع هذا جانبا ونعود إلى تعريفنا السابق بأن هنالك زيادة ملموسة في عدد اللواتي يقعن في مشاكل ويعزى ذلك إلى تغيرات في املجتمع. أريد أن أتساءل في البداية إذا كان هناك في احلقيقة تغير ملموس في عدد هذه املشاكل. وأريد أن أطرح أمامكم إمكانية أن ما يالحظ كتغير في عدد املشاكل قد يكون ظاهرا وليس حقيقيا أي أنه ازدياد في وعينا واهتمامنا بهذه املشاكل وليس ازديادا في املشاكل نفسها. فهناك عدة إمكانيات الزدياد الوعي بهذه املشاكل وليس املشاكل نفسها: 1. من املمكن أن يكون عدد الفتيات اللواتي يواجهن مشاكل لم يزدد وإمنا ازدادت إمكانيات االتصال مبوظفي الشؤون االجتماعية نتيجة التحسن في طرق

75 تأثيرالتغييراالجتماعي واالقتصادي على أوضاع املرأة في الضفة الغربية 75 االتصال أو سهولة السفر أو غياب الرجال عن البيت )وسنتحدث عن هذا فيما بعد( أو ازدياد عدد اجلمعيات اخليرية التي ميكن االتصال بها أو ازدياد الوعي بوجود من يستطيع تقدمي املساعدة. وباختصار من املمكن أن مجموع احلاالت لم يزدد وإمنا ازداد عدد تلك التي تصل إلى انتباه مكاتب الشؤون االجتماعية. 2. هنالك أيضا سبب مهم الزدياد الوعي باملشاكل وان لم تزدد املشاكل وهو تعرف أبناء املجتمعات على مجتمعات أخرى تختلف في عاداتها وقيمها وتقاليدها وممارساتها عن عاداتنا وقيمنا وتقاليدنا وممارساتنا التي يستهجنونها ويعبرون عن ذلك االستهجان وترجع هذه التأثيرات إلينا عن طريق التلفزيون أو السينما أو الصحف واملجالت ووسائل اإلعالم على أنواعها فنقبل تعريفهم لها بأنها مشاكل اجتماعية ويزداد وعينا واهتمامنا بهذه املشاكل ونبدأ بالبحث عن حلول لها. واملثال الواضح على ذلك هو الفيلم السينمائي )موت أميرة( والضجة العاملية التي أثارها واالستنكار للجرمية من جميع الناس عربا وأجانب. ونحن نعرف أن قتل الفتاة أو املرأة بسبب عالقة جنسية يحدث في مجتمعنا وبالنسبة لألكثرية الساحقة من أبناء مجتمعنا ال يعتبر هذا الفعل مقبوال فقط بل واجبا أو حتى مسئولية جماعية للبلد كلها التي يخصها األمر. 3. مثال آخر قرأته في املدة األخيرة في صحيفة أمريكية 1 عن جمعية سويسرية تأخذ فتيات حوامل قبل الزواج وتقوم بتهريبهن إلى أوروبا حلمايتهن من القتل من قبل رجال عائالتهن. ويقال أن هذا املقال يثير ضجة كبيرة في أوروبا وأمريكا وأن الكثير من الصحف واملجالت واجلمعيات مهتمة بهذه القضية وتريد أن تدرسها وتثيرها وتوجد حلوال لهذه )املشكلة( بني عرب الضفة. واحلقيقة أن هذا ال يعكس حتما أي ازدياد في عدد احلاالت من هذا النوع وإمنا يعكس شعور األوروبيني والغربيني بالنسبة لعادات وقيم وتقاليد وممارسات موجودة في املجتمع العربي ويعتبرونها سلوكا إجراميا وبربريا. وال حاجة لكثير من هذه احلاالت الستثارة مثل هذا الشعور فإن حالة واحدة يتعرف عليها األوروبيون كافية متاما كما أن عادة مثل أكل حلم البشر عند قبيلة إفريقية مثال جتعلنا نحكم حكما مماثال على تلك القبيلة مهما كانت تلك العادة عريقة ومجيدة لديهم. وما هو رد فعلنا ملثل هذا املقال عادة نقبل احلكم الصادر علينا ونشعر باإلثم ونعر ف أنواع السلوك هذه بأنها جرائم ومشاكل ولكننا نتظاهر بأنها جرائم ومشاكل جديدة على مجتمعنا ونريد حلها. ولكن في نفس الوقت نستمر على مستوى القيم والشعور والعواطف بتغذية أنواع السلوك التي نعرفها كمشاكل وجرائم. ومن أبرز األمثلة التي شاهدتها من هذا النوع كانت عندما دخل سيارة التاكسي التي كنت أسافر فيها من رام الله إلى نابلس رجل شرطة ميسك بتالبيب طفل في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من العمر وعندما س ئل الشرطي عما فعله الصبي قال أن والد الصبي وأخوته

76 76 دراسات في الثقافة والتراث والهوية الكبار قاموا بقتل ابنة هذه العائلة ألنها أخلت بقوانني الشرف وأن هذا الصبي قام بوضع الكاز على جثة أخته وأحرقها. وكانت طريقة كالم هذا الشرطي الذي قام باعتقال الصبي ال تدع أي مجال في ذهن السامع للشك بأنه يعتبر سلوك الصبي سلوكا بطوليا ومشر فا. 4. سبب آخر الزدياد الوعي مبا يسمى باملشاكل االجتماعية هو موضوع يكثر احلديث عنه وهو ما يدعى خروج املرأة للعمل. واحلقيقة أننا جند هنا أيضا أن املشاكل موجودة في أذهاننا أكثر مما هي موجودة في الواقع االجتماعي. فاإلحصائيات تظهر أن نسبة النساء العامالت في الضفة تساوي حوالي %3 من مجموع السكان ولو فرضنا أن املشاكل حتدث مع %10 من الفتيات اللواتي يشتغلن خارج البيت فستكون نسبة صاحبات املشاكل 3 في األلف من السكان أي ما يقارب 10 فتيات من أية قرية تعدادها ثالثة آالف نسمة وهذا ال يوصل هذه الظاهرة إلى أبعاد وباء مستفحل يجعل أوروبا تسرع بحملة صليبية جديدة إلنقاذنا من مشاكلنا االجتماعية. ثم دعونا ننظر أين تشتغل هؤالء الفتيات: هن في احلقيقة يشتغلن في أوضاع حتددها القيم التقليدية فهن يشتغلن بشكل عام منفصالت عن الرجال متاما وفي املهن املقبولة تقليديا للمرأة كاخلياطة والتنظيف. ثم من هن الفتيات اللواتي يخرجن للعمل هؤالء هن بنات نفس العائالت الفقيرة احملتاجة التي كانت فتياتها في املاضي يشتغلن خارج البيت ولكن في إطار آخر وهو العمل عند العائالت الغنية في األعمال الزراعية أو في البيوت. وأنا أعتقد أن نساء هذه العائالت كن دائما يتعرضن لالستغالل اجلنسي من قبل رجال العائالت األوفر حظا واملالكة لألرض. وأعتقد أيضا أن هذه احلاالت كانت تفوق ما نواجه في الوقت احلاضر ولكنها كانت ت خفى بشكل من األشكال وما زال مثلنا الشعبي يقول موت الفقير وطعريس الغني ما حد بعلم عنها. ولذلك أخلص بقولي أن التغير الذي حدث بسبب ما يسمى خروج املرأة للعمل هو طفيف وهو في مجال تغير مكان العمل فقط وشعورنا باملشاكل ناجت عن استغرابنا من عمل الفتيات في أماكن تختلف قليال عن املاضي وعن شعورنا التقليدي بأن املرأة ضعيفة اإلرادة وسريعة االنزالق وإذا ت ركت لتخرج خارج البيت فال بد أنها سترتكب جميع املخالفات اجلنسية املمكنة. أوردت حتى اآلن أمثلة تشير إلى إمكانية أن هناك ازدياد بالشعور في املشاكل وليس في املشاكل نفسها. وأنا أطرح هذه اإلمكانيات نتيجة اعتقادي بأن التغييرات التي طرأت على مجتمع الضفة الغربية حتى اآلن طفيفة. ولندخل اآلن في هذه التغييرات. يحدث التغير في املجتمع اإلنساني نتيجة لرغبة أو حاجة املجتمع للتجاوب والتوافق مع ظروف وضغوط جديدة تؤثر عليه ويستطيع املجتمع اإلنساني االستجابة على مستويات ثالثة:

77 تأثيرالتغييراالجتماعي واالقتصادي على أوضاع املرأة في الضفة الغربية املستوى السلوكي الثقافي. 2. مستوى البناء االجتماعي. 3. مستوى بناء شخصية أو سيكولوجية أفراد املجتمع. وال يلجأ املجتمع إلى االستجابة على مستوى أعلى إال إذا فشل املستوى الذي دونه بإعطاء االستجابة املناسبة للظروف والضغوط اجلديدة. وأنا أعتقد أنه في حالة الضفة الغربية ال ميكن ملدة 13 عاما أن تكون قد أحدثت تغيرات جوهرية في تركيبة شخصية اإلنسان العربي أو في تركيبة املجتمع. وأكثر من ذلك فأنا أعتقد أن الشخصية العربية والتركيبة االجتماعية العربية ال تزاالن في جوهرهما حتى في أكثر املدن العربية غربنة على ما كانتا عليه في العصور اجلاهلية السحيقة. وال تزال نفس املشاعر والعواطف تهزنا وال تزال نفس القيم واالعتبارات تتحكم بعالقاتنا وحتزباتنا ووالئنا. أما الظروف احمليطة فقد تغيرت نوعا ما مبجيء االحتالل وأعتقد أن تأثير مثل هذه التغيرات على سلوك املرأة أقل منها على الرجل ألن الكثير من هذه التغيرات ال يصل تأثيرها إلى املرأة مباشرة وإمنا عبر مصفاة االتصال املباشر باملجتمع الذكوري وبأعمال السلطات التي يهيمن عليها الرجل. ولكن قبل احلديث عن التغيرات دعونا نلقي نظرة موجزة على وضع املرأة التقليدي في املجتمع العربي عن طريق تلخيصه في النقاط التالية: 1. وضع املرأة في املجتمع يعني عالقتها باجلنس الثاني ومبؤسسات املجتمع. 2. هناك نظريتان في تفسير وضع املرأة أي االختالف بني دور املرأة ودور الرجل في املجتمع اإلنساني: األولى ترجعه إلى صفات نفسية بيولوجية موروثة في طبيعة اجلنسني والثانية ترجعه إلى أسس اجتماعية اقتصادية. وأنا أميل إلى الثاني. 3. من وجهة نظر النوع الثاني من النظريات فإن أهم عامل في تقرير األدوار ووضع الرجل في وضع أحسن من املرأة هو أن الرجل في املراحل األولى من تبلور املجتمع اإلنساني اختص باحلرب والصيد والسبب في ذلك أن املجتمع يستطيع االستغناء عن الرجل أكثر من املرأة ومع مر العصور حتولت هذه امليزة التي كانت في األساس ضد الرجل إلى صاحله. 4. البناء األساسي للمجتمع العربي كان وال يزال على أساس عالقة الدم )القرابة( ووحدات هذا البناء هي وحدات القرابة األبوية أي العائلة احلمولة القبيلة... الخ ويرأسها الرجل.

78 78 دراسات في الثقافة والتراث والهوية 5. وضع املرأة في املجتمع العربي يتلخص في أنها ليست شخصا في حد ذاتها وإمنا هي ملك لوحدات بناء املجتمع أي العائلة واحلمولة والقبيلة ومن يرأسها من الرجال. 6. هذه الوحدات االجتماعية تستعمل النساء كما تستعمل أي نوع آخر من ممتلكاتها من حيوانات وأرض وأموال في سبيل التفاهم وإقامة العالقات بينها. انطالقا من تعريف وضع املرأة في املجتمع العربي بهذا الشكل فإنني أعتبر أي تغير يحرر املرأة من كونها ملكا للمجموعة ويفسح املجال أمامها لكي تصبح إنسانا مستقال مسؤوال عن تصرفاته وقراراته بنفسه تغيرا إلى األحسن وما عكس ذلك تغيرا إلى األسوأ. وسأقدم على هذا األساس نتائج التغيرات التالية: 1. تغي ب الرجل عن البيت. 2. االستقالل االقتصادي لبعض الشباب والشابات. 3. العمل في إسرائيل والدخل النقدي وإهمال العمل الزراعي وقلة عدد العاملني في الزراعة. 4. مقاومة االحتالل. 5. ظهور احلركات الدينية. 6. اختالل التناسق بني املركز االقتصادي واملركز االجتماعي. 7. زيادة عدد الفتيات في سن الزواج عن الشباب. تأثيرات هذه العوامل على املرأة العربية في الضفة الغربية متداخلة وال نستطيع هنا حتليل جميع تداخالتها وتعقيداتها ولذلك سنلجأ إلى التعميم والتبسيط ونأخذها مستقلة عن بعضها: 1. فاشتراك املرأة اشتراكا فعاال في مقاومة االحتالل سواء داخل األراضي احملتلة أو خارجها أظهر املرأة بشكل أفضل من الصورة التقليدية للمرأة في املجتمع العربي أي أظهر املرأة مبظهر القوة واجلدية والصمود وحتمل املسئولية وهذا أدى إلى حتسني املنزلة االجتماعية للمرأة الفلسطينية بشكل عام. وقد ال أبالغ إذا قلت أن أقرب ما رأيته إلى املساواة التامة واالحترام املتبادل بني اجلنسني كان في إطار املظاهرات الطالبية واالشتباكات مع اجلنود اإلسرائيليني املعتدين على حرمة اجلامعات الفلسطينية في الضفة الغربية. 2. لقد أدت ظروف االحتالل إلى تغي ب أكثر للرجل عن البيت إما عن طريق غيابه عن الضفة الغربية كليا أو عن طريق العمل في إسرائيل على مدار السنة حيث يترك

79 تأثيرالتغييراالجتماعي واالقتصادي على أوضاع املرأة في الضفة الغربية 79 البيت في الصباح الباكر وال يعود حتى ساعات املساء أو يغيب طوال األسبوع ليعود ليوم واحد في نهايته. وهذا يختلف عن العمل الزراعي التقليدي في القرية العربية الذي تكون أيام العمل فيه معدودة وفصلية ويبقى الرجل خاللها على اتصال مستمر مع أفراد عائلته. في كلتا احلالتني تبقى املرأة املسؤولة املباشرة عن األطفال وإدارة البيت وحتى األعمال الزراعية التي أهملها الرجل. هذه الظروف ال شك تكسب املرأة شعورا أكبر باملسئولية والثقة بالنفس وترفع من منزلتها االجتماعية بالنسبة للرجل. 3. أما االستقالل االقتصادي لبعض الفتيات )وأعود فأذكر بأن هذه نسبة قليلة وفترة عابرة في حياة الفتاة ريثما يأتي العريس( فإنه أيضا يزيد من ثقة هؤالء الفتيات بأنفسهن ويرفع من منزلتهن بالنسبة لباقي أفراد العائلة. ولكن في نفس الوقت فإن االستقالل االقتصادي للفتاة مضافا إلى تغيب الرجل عن البيت يشجع بعض الفتيات على حتدي القيم وطرق احلياة التقليدية مما ميكن ترجمته من قبل باقي أفراد املجتمع على أنه تسيب أو انحالل خلقي وهذا بدوره يؤدي إلى رد فعل من قبل املجتمع والرجال فيه بشكل خاص إلعادة املرأة إلى وضعها التقليدي. وقد يكون لرد الفعل هذا دور كبير في نشوء احلركات الدينية في الضفة الغربية. 4. أما بالنسبة للعمل في إسرائيل وإهمال العمل في الزراعة فهذا العامل باعتقادي ترك أكبر األثر على املرأة في املناطق احملتلة وتأثيره بشكل عام )وعلى األقل من وجهة نظري( سلبي ورجعي وتقهقري بالنسبة للوضع االجتماعي للمرأة. فقلة العاملني في الزراعة أخذ من املرأة إمكانية االشتراك الفعال في عملية اإلنتاج وحرمها من الباب الوحيد خلروجها من البيت واالشتراك في أعمال تقوم بها جنبا إلى جنب مع الرجال وأعادها كليا إلى البيت. أضف إلى ذلك أن الدخل النقدي لدى العائالت املتوسطة والفقيرة من العمل في إسرائيل جعل الكثير من نساء هذه العائالت تسعى نحو )التمدن( أي تقليد أسلوب حياة نساء املدينة أو نساء العائالت الغنية سابقا في القرية وهذا يعني أن تفقد املرأة أية إمكانية لالشتراك في عملية اإلنتاج واملساعدة في إعاشة العائلة وأن تعيش كليا داخل البيت في وضع يكون الفصل بني الرجال والنساء على أشده وتعيش املرأة في وضع تكون فيه شبه محظية يحتفظ بها الرجل في البيت. وهنا أود أن أذكر اعتقادي أن أدنى وضع اجتماعي للمرأة بالنسبة للرجل في املجتمع العربي يكون لدى ربات البيوت في املدينة تليها املرأة القروية ثم البدوية. وأذكر هنا أن املرأة البدوية أو الفالحة التي تعمل في احلقول لم تكن هي التي بدأت بارتداء احلجاب أو القناع وإمنا نساء املدينة بالذات. 5. عامل آخر له عالقة بوضع املرأة في املجتمع هو ظهور احلركات الدينية في الضفة الغربية كرد فعل لالحتالل. وقد نتج هذه احلركات عن نوعني من

80 80 دراسات في الثقافة والتراث والهوية املنطق: األول هو املنطق القائل بأن سبب هزمية العرب أمام إسرائيل يعود إلى الفسق واالبتعاد عن تعاليم الدين اإلسالمي الثاني يقول أن هزمية العرب أمام إسرائيل برهنت على أن عامل القومية أضعف من أن يوحد العرب مبا فيه الكفاية وأن العرب وصلوا أوج قوتهم وعزتهم حتت تأثير العامل الديني ولذلك فإن الطريق إلى اخلالص تأتي عن طريق الدين ال القومية. ومهما كانت األسباب الزدياد التيار الديني فإن له تأثير كبير على وضع املرأة في املجتمع. وقد يكون هذا التأثير سلبيا من حيث تقييد حرية املرأة وزيادة سلطة الرجل في املجتمع ولكن من املمكن أيضا أن يكون له أثر إيجابي عن طريق زيادة شعور املرأة بالكرامة واحترام النفس واألهمية واملشاركة في العمل للحصول على أهداف سامية. واألغلب أن املرأة هنا تقع حتت تأثير هذين العاملني في نفس الوقت وأنا ال أعرف عن نظرة هذه احلركات الدينية إلى املرأة ما فيه الكفاية لتقييم تأثيرها على وضع املرأة بشكل أدق. 6. لقد حدث اختالل في التناسق التقليدي في مجتمع الضفة الغربية بني املركز االقتصادي واملركز االجتماعي لعائالت وحمائل مدن وقرى الضفة الغربية نتيجة التغيرات االقتصادية التي تلت االحتالل. هذا االحتالل تطلب توافقات جديدة ومساومات بني املجموعات املختلفة لبلورة العالقات بشكل جديد وقد زاد هذا الوضع من استعمال املرأة كأداة للمساومة وإقامة العالقات بني العائالت والتسلق االجتماعي واالقتصادي. 7. العامل األخير الذي نتطرق إليه هنا هو زيادة نسبة الفتيات في سن الزواج إلى نفس الفئة من الرجال بسبب هجرة الرجال إلى اخلارج للعمل والعلم وزواج الكثيرين من فتيات من خارج الضفة الغربية. ويكون هذا الفرق أكبر في قرى الضفة الغربية منه في املدن بسبب زواج عدد كبير من رجال القرية من فائض فتيات املدينة مما يزد فائض الفتيات في القرية. هذا الوضع دعا الكثير من الفتيات وضمن موافقة عائالتهن إلى اللجوء للدراسة اجلامعية أو تعلم مهنة من أجل ضمان مستقبلهن كبديل للضمان التقليدي وهو الزواج. وقد يكون هذا العامل أهم مما يظهر ألول وهلة ألن هؤالء الفتيات يخلقن األسبقيات وميهدن الطريق أمام باقي فتيات األجيال القادمة ويكون العنصر الطالئعي والقيادي لهن.

81 تأثيرالتغييراالجتماعي واالقتصادي على أوضاع املرأة في الضفة الغربية 81 الهوامش 1 "Tiny Group Rescues Pregnant Arab Girls" Los Angeles Times. Jan. 4, 1981

82

83 األذن العربية والعني األمريكية دراسة في دور احلواس في الثقافة لكل حقل من حقول العلم أو املعرفة قضاياه ومشاكله النظرية والفلسفية اخلاصة بذلك احلقل. والقضية التي أطرحها في هذا البحث هي من النوع الذي يثار عادة بني علماء األنثربولوجيا وقد تلقى اهتماما من علماء الفلكلور وعلماء النفس وغيرهم من الدارسني في العلوم االجتماعية. يرى علماء األنثربولوجيا أن وظيفتهم هي فهم الثقافات األخرى ونقل أو ترجمة روح الثقافات التي يدرسونها وطريقة فهم أهل هذه الثقافات لعاملهم إلى ثقافتهم )أي العلماء( وعاملهم. هناك دائما خوف ولذلك جدل حول مدى صدق ما ينقله هؤالء العلماء إلى ثقافتهم: إلى أية درجة ينقل عالم األنثربولوجيا ثقافة أخرى وإلى أية درجة ي سب غ على الثقافة األخرى ثقافته وفهمه للعالم لنأخذ مثال اللغة. كل لغة جزء من ثقافة وهي وليدة تلك الثقافة و جدت للتداول مبفاهيم تلك الثقافة. فهل من املمكن لنا إذا أن نتكلم عن ثقافة أخرى بلغتنا وهل تبقى تلك الثقافة نفسها حني نتكلم عنها بلغتنا أم نكون قد أعدنا صياغتها مبفاهيم لغتنا وثقافتنا نحن ولنأخذ مثاال آخر. هل العلوم الغربية احلديثة حقائق مطلقة أم جزء من الثقافة الغربية احلديثة وعندما نحاول فهم ثقافة أو مجتمع آخر عن طريق العلوم االجتماعية احلديثة ألسنا بذلك نعيد صياغتها مبفاهيم الثقافات الغربية احلديثة

84 84 دراسات في الثقافة والتراث والهوية املشكلة التي أطرحها هنا هي من نوع املشاكل التي يطرحها الدارسون للثقافات اإلنسانية وخصوصا املهتمني منهم مبواضيع متتد عبر ثقافات مختلفة مع أن املشكلة احلالية بالذات لم تكن قد أثيرت سابقا في أي مكان آخر. وميكنني أن أطرح املشكلة بالطريقة التالية: اإلنسان ككائن حي يجب أن يتفاعل مع البيئة للحصول على متطلبات البقاء كيما يستمر في البقاء وال سبيل للبقاء دون ذلك. وإدراك اإلنسان للبيئة يأتي من خالل احلواس اخلمس التي تتسلم املؤثرات من البيئة وليست هناك من سبل أخرى الستالم املؤثرات البيئية سوى احلواس اخلمس. ولذلك فإن إدراك اإلنسان للبيئة وفهمه لها وتفاعله معها تعتمد على حواسه اخلمس. والثقافة هي مجموع الطرق املتعلمة لتفاعل اإلنسان مع البيئة من أجل البقاء. إال أن طرق التفاعل مع البيئة في الثقافة الواحدة ال تعتمد على كل احلواس بنفس الدرجة والثقافات املختلفة ال تتماثل أو تتساوى في اعتمادها على كل واحدة من احلواس بل إن لكل ثقافة تفضيلها وحتي زها بالنسبة الستعمال كل واحدة من احلواس. فيقال مثال أن الثقافة الغربية بشكل عام ت ت حيز كثيرا لصالح حاسة البصر أكثر من احلواس األخرى وقد يصل اعتماد الثقافة الغربية على حاسة البصر إلى درجة تؤدي إلى إهمال ما ميكن إدراكه من خالل احلواس األخرى كالسمع أو اللمس أو الشم. إن هذا ال ينطبق فقط على الشخص العادي في حياته اليومية بل ينطبق كذلك على العال م والدارس ومن ضمنهم علماء األنثربولوجيا الذين ي توقع منهم فهم الثقافات األخرى وإطالع العالم الغربي عليها وتعريفه بها. فإذا كان صحيحا أن اإلنسان الغربي يعتمد على حاسة البصر بشكل رئيسي فإن الصورة التي ينقلها املستشرق أو عالم األنثربولوجيا األوروبي أو األمريكي عن الثقافة العربية مثال ستكون مشوهة بشكل مضاعف إذ أن العال م الغربي سي عير معظم اهتمامه إلى الناحية التي اعتمد العرب على البصر في خلقها وتطويرها وهذه بدورها سيدركها العال م الغربي عن طريق املعطيات البصرية أي باالعتماد على حاسة بصره فقط. ويكون التشويه أكثر بكثير إذا كانت الثقافة املدروسة أي الثقافة العربية في هذه احلالة منحازة باجتاه االعتماد على حاسة أخرى غير تلك التي يعتمد عليها الغرب كحاسة السمع أو اللمس مثال. لقد كتب املستشرقون والباحثون الغربيون آالف الدراسات واألطروحات عن الشرق األوسط واإلسالم والعرب والثقافة العربية اإلسالمية ولقد كتبوا أكثر بكثير مما كتبه العرب واملسلمون عن أنفسهم خصوصا في العصر احلديث ومعظم ما يعرفه العالم اليوم عن الثقافة العربية اإلسالمية وحتى الكثير مما يعرفه العرب واملسلمون عن أنفسهم جاء من خالل ما كتبه العلماء واملستشرقون األوروبيون واألمريكيون. فإذا كان ما قلناه حتى اآلن صحيحا أو قريبا من الصحيح وإذا جر بنا نحن فهم ووصف ثقافتنا ومجتمعنا وتوصيلها إلى باقي العالم أليس من املعقول أننا سنجد فيها نواحي كثيرة وغنية لم يرها ولم يتطرق إليها املستشرقون وعلماء

85 األذن العربية والعني األمريكية دراسة في دور احلواس في الثقافة 85 األنثربولوجيا الغربيون ألنها ال تتعلق بالبصر بل باحلواس األخرى وهل من املمكن أن تكون الفروق بني الثقافات بشكل عام هي في مقدار التشديد أو االتكال على كل حاسة بالنسبة إلى باقي احلواس األخرى سوف ال نتمكن من تقدمي أجوبة شافية على هذه التساؤالت في هذه املقالة ولكنني سأطرح هنا فرضية بسيطة أال وهي: أن الثقافة الغربية تعتمد في تكوينها على حاسة البصر أكثر من اعتماد الثقافة العربية اإلسالمية عليها بينما تعتمد الثقافة العربية اإلسالمية على حاسة السمع أكثر من اعتماد الثقافة الغربية عليها. ولن أمتكن هنا من إثبات هذه الفرضية ولكنني سأحاول فقط أن أبني أنها فرضية معقولة وأن متابعة دراستها ومتحيصها قد تكون مجدية. لقد تطرق ألن دنديس Dundes( )Alan إلى قضية أهمية حاسة البصر في املجتمع األمريكي في مقالة له بعنوان Believing" "Seeing Is نشرها عام 1973 في مجلة.Natural History Magazine يقول دنديس في مطلع هذه املقالة: إن الطفل األمريكي منذ األيام األولى في حياته وحتى الكهولة مير باستمرار بتجارب متتابعة ت كر س جميعها أفضلي ة البصر على احلواس األخرى وجتعله يعتمد أكثر فأكثر على حاسة البصر على حساب احلواس األخرى دون أن يكون واعيا مليله لتفضيل حاسة البصر. )ص 121( وينهي دنديس مقالته القصيرة هذه بالقول )ص 128( أن دراسة مدى االعتماد على احلواس عبر الثقافات املختلفة قد تثبت ليس فقط وجود فروق هامة بني استعمال احلواس املختلفة بل ستكشف أيضا عما إذا كانت ظاهرة تفضيل حاسة البصر املالحظة في الغرب هي ظاهرة عاملية عند جميع ثقافات العالم أم ال.) 1973 )Dundes, حسب معرفتي لم يستجب أحد للتحدي الذي أطلقه دنديس في هذه املقالة ولم يتابع هو نفسه دراسة هذا املوضوع سواء في الثقافة األمريكية أو في أية ثقافة أخرى. واحلقيقة أن املوضوع صعب وشائك واحلديث عنه أسهل بكثير من دراسته على أرض الواقع. لم يكن ما فعله دنديس في املقالة التي ذكرناها دراسة ميدانية منظمة للثقافة األمريكية أو جلزء محدد منها بل أخذ عددا من النشاطات أو أنواع السلوك في املجتمع األمريكي والتي شعر أن تفضيل حاسة البصر كان واضحا فيها فأبرزها وعلق عليها وقدمها على أنها متثل الثقافة األمريكية ككل دون أن يقدم برهانا على ذلك. ولكن دراسة هذه املشكلة في احلقيقة ما زالت في مرحلة الفرضية واإلشارة والتلميح ولم تصل بعد إلى مرحلة اإلثباتات والبراهني. وما سأفعله هنا هو أنني سآخذ بعض النشاطات وأنواع السلوك التي استعملها دنديس وأوض ح كيف أن التفضيل الذي يبديه األمريكيون حسب قول دنديس حلاسة البصر في هذه النشاطات ال ينطبق على اإلنسان العربي بل بالعكس فاإلنسان العربي قد يفضل االعتماد على السمع أو حاسة أخرى في الكثير من هذه احلاالت.

86 86 دراسات في الثقافة والتراث والهوية لم يثبت دنديس طبعا أن األمريكيني ال يعتمدون على احلواس األخرى في الكثير وحتى في األكثرية من نواحي الثقافة التي لم يتطرق إليها في مقالته. وكذلك فإذا جنحت في مقالتي هذه في إظهار أن اإلنسان العربي يعتمد على السمع أكثر من البصر في بعض النواحي التي يعاجلها دنديس فإن ذلك ال يثبت أن اإلنسان العربي ال يعتمد على البصر أو على حاسة أخرى غير السمع في الكثير وحتى األكثرية من نواحي الثقافة العربية. هذان املقاالن مقال دنديس ومقالي هذا ال يتعديان كونهما جتربتني أوليتني للتفتيش عن طرق مناسبة لدراسة هذه املشكلة. ونأخذ اآلن بعض األمثلة التي يذكرها دنديس ونتفحص مدى انطباقها على اإلنسان العربي والثقافة العربية. يقول دنديس أن أول لعبة يلعبها الكبار في أمريكا مع الطفل عندما يكون عمره أشهرا قليلة فقط هي لعبة "Peek-a-Boo" وهي لعبة تعتمد لديهم على البصر إذ أن الكبير يغطي وجهه بكفيه أو مبنديل أو مخد ة أو شيء مشابه ثم يكشف وجهه أمام الطفل ويقول "Peek-a-Boo!" فيضحك الطفل. ويلعب العرب مع أطفالهم نفس اللعبة ويقولون بأ يني! وقد أتيحت لي الفرصة ملراقبة هذه اللعبة عند األمريكيني وعند العرب وقد تكو ن لدي االنطباع أن الفرق بينهما هو أن عنصر املفاجأة للطفل عند األمريكيني يعتمد على البصر أي على ظهور وجه الكبير واختفائه مرات متتابعة وأن صوت الكلمات "Peek-a-Boo" ال يلعب دورا كبيرا جدا في مفاجأة الطفل وجلب انتباهه وإضحاكه. أما عند العرب فإن عنصر املفاجأة يعتمد بشكل رئيس على الصوت إذ أن كلمة بأيني! تقال بنبرة سريعة وبصوت مرتفع أكثر بكثير من صوت األمريكيني عندما يقولون "Peek-a-boo" ولكن حتى نتأكد من وجود هذا الفرق فعلينا أن نصور اللعبة من املجتمعني على شريط فيديوتيب ثم جنري مقارنة بينهما. كذلك فإن من أوائل طرق تعليم األطفال األمريكيني عند دخولهم املدرسة هي الطريقة املسم اة Tell" "Show and )أي أن يعرض ويقص ( إذ تطلب املعلمة عادة من كل طفل أن يحضر معه من البيت غرضا يعرضه على باقي األطفال ويتحدث عنه بالتفصيل وهو يشير بإصبعه إلى أجزاء ذلك الغرض وطريقة تركيبه واستعماله وما إلى ذلك. فالتعليم هنا يحدث عن طريق البصر والنطق. فكيف حتدث املراحل األولى من التعل م عند الطفل العربي لقد كان التعل م في الكتاتيب تقليديا وما زال في املدارس احلديثة إلى حد كبير يبدأ بأن يقول الشيخ أو املعلم املعلومات بصوت عال ويكررها األطفال من ورائه بصوت عال ويستمر ذلك حتى يتم حفظ املعلومات غيبا دون وجود أية إشارة بصرية إلى محتويات املعلومة ودون فهم معناها في معظم األحيان. ويحدث ذلك سواء كان املقصود تعليم القراءة أو القرآن أو الشعر أو احلساب. فطريقة التعليم املفضلة تقليديا في الثقافة العربية اإلسالمية هي عن طريق السمع والنطق وليس البصر والنطق كما هو في الغرب. وهذا في احلقيقة

87 األذن العربية والعني األمريكية دراسة في دور احلواس في الثقافة 87 ينطبق على تعليم الطفل من قبل الوالدين منذ املراحل األولى في حياته قبل بداية روضة األطفال واملدرسة. فاألم األمريكية تعلم طفلها اللغة عن طريق اإلشارة إلى األشياء ثم محادثة الطفل حولها وتشجيعه على استعمال األشياء والتفاعل معها واكتشاف أجزائها وكيفية عملها بينما نرى أن األم العربية تعلم طفلها اللغة عن طريق نطق الكلمات وجعله يكررها دون اإلشارة إلى األشياء التي تشير لها الكلمات فهي تعلمه أن يكرر أسماء أفراد العائلة وأسماء وأصوات احليوانات والطيور وتعلمه األغنيات واملسب ات وبعض اجلمل واألقوال املجر دة وحتى األرقام فإنها تعل مه إياها عن طريق تكرارها مرتبة من واحد إلى عشرة دون أن توضح له مفهوم األرقام ودون أن تعطيه أشياء يعد ها أو تعد ها هي أمامه. ولذلك فالطفل العربي يتعلم األرقام بالترتيب عن ظهر قلب ودون أن يتعلم كيف يعد األشياء امللموسة أو يحصيها وال يعرف كيفية استعمال هذه األرقام بل يعيدها كلها مرتبة عند سماع أي شخص يذكر أول رقم أو حتى أول صوت من أول رقم. وهذه الطريقة أي جعل الطفل يكرر ما يعرفه عن طريق ذكر أول صوت أمامه مستعملة جدا عند األمهات العربيات إلظهار ذكاء الطفل وبراعته في الكالم أمام األقارب واجليران واألصدقاء. فنجد األم مثال تقول للطفل: يالله فرجي البابا شو تعل مت اليوم! ولكن الطفل ال يفهم ما هو املطلوب منه وال يستجيب لطلبها فتتابع األم بإصدار األصوات األولى مما تريده أن يقول فتقول مثال : آاااانا... فيكمل الطفل:... بحب البابا كثير... أو تقول األم: يا الله غن ي مي ا الله... ويكمل الطفل:... حي يا بوشوشه. أو تقول األم: يالله فرجيهن ياما كيف بتعرف تعد يالله... واااااااحد... ويكمل الطفل:... اثنني... وهكذا. ونرى أن األم العربية تعلم طفلها القيام ببعض األعمال أو احلركات اجلسمية دون فهم أي طلبات أو أوامر بل عن طريق التشريط بأن تصبح األفعال أو احلركات استجابات أوتوماتيكية مشروطة يصدرها الطفل عند سماع أصوات معي نة بنفس الطريقة التي يسحب بها يده أوتوماتيكي ا إذا ملس النار مثال. فاألم مثال تصدر أصوات مثل: د ح د ح د ح... فيحرك الطفل يديه بحركات تفس رها األم بأنها رقصا.

88 88 دراسات في الثقافة والتراث والهوية أو تقول: ح يد ه ح يد ه... فيحاول الطفل الوقوف. أو تقول: دادي دادي... فيحاول الطفل حتريك رجليه للمشي. وجند أن األم تلجأ إلى تشريط بعض االستجابات الفسيولوجية للطفل بأصوات تصدرها هي وتستعمل هذه الطريقة لتدريب الطفل كي ال يتغوط أو يتبول في مالبسه أو فراشه. فبعد مد ة من التدريب فإن الطفل ميتنع عن التغوط إال إذا سمع صوت أمه: أع أع أع... يقول دنديس إن الثقافة األمريكية منحازة إلى حاسة البصر إلى درجة أن اإلنسان األمريكي يدرك العالم من حوله من خالل حاسة البصر وميكننا أن نقول أنه مجازي ا يرى العالم من حوله وال يسمعه أو يحس ه أو يشم ه أو يذوقه )ص 122(. وهذا يظهر بوضوح من خالل اللغة أو الكلمات التي يستعملها األمريكيون في حياتهم وأحاديثهم اليومية. لنر كيف يوضح دنديس ذلك وإلى أي مدى ميكن ملا يقوله أن ينطبق على اإلنسان العربي أو يكون مغايرا لذلك. فاألمريكي مثال كما يقول دنديس يستعمل البصر مجازي ا للتعبير عن الفهم فهو يقول see." I" أي أنا أفهم النقطة التي تريد إيضاحها ويقول it." "As I see أي كما أفهم أنا القضية أو املشكلة واألمريكي عامة يعب ر عن فهمه ألي فكرة بقوله إن ه يراها. إن اإلنسان العربي قادر بشكل عام على فهم هذا االستعمال للبصر ولكنه ليس بحاجة إلى استعمال مجاز بصري للتعبير عن الفهم وال يجد نفسه عادة مضطرا إلى استعمال هذا املجاز وإذا أراد لسبب ما استعمال إحدى احلواس مجازا للتعبير عن الفهم فإن السمع قد يخدم الغرض بقدر ما يخدمه البصر إن لم يكن أكثر. فأن نقول أنا سامع شو بتقول. مبعنى أنا أفهم ما تقصد من قولك قد تكون مقبولة على السمع وعلى الذوق على األقل بنفس الدرجة مثل أنا شايف شو بتقول إن لم تكن أكثر واألفضل طبعا من االثنني أن تقول أنا فاهم شو بتقول. كذلك إذا أردنا أن نتأكد أن الشخص الذي نتحدث إليه يفهم متاما ما نعني وما نقصد فإن السؤال سامع أفضل من شايف واألفضل منها طبعا فاهم. واألمريكي حسب ما يقول دنديس أمبيريقي ولكن أمبيريقيته تقتصر على البصر دون احلواس األخرى فهو ال يثق وال يقتنع إلى بعد أن يرى ولكنه إذا رأى فإنه يكتفي بالرؤية ويثق بها دون حاجة للفحص عن طريق احلواس األخرى فعند األمريكي كما يقول األمريكيون دائما Believing" "Seeing is وهو عادة يؤكد ما يقوله بإضافة eyes" I" saw it with my own ويدعو اآلخرين للتأكد مما يقول بقوله Yourself"."See for وعندما يشك في صدق ما يقوله اآلخرون فإنه يصر see!"."that I ve got to ولكن ثقة العربي حسب رأيي بالنظر أقل بكثير

89 األذن العربية والعني األمريكية دراسة في دور احلواس في الثقافة 89 من ثقة األمريكي إذ أن العربي يشك دائما باملنظر اخلارجي ألن املظهر اخلارجي غشاش ) يا شايف الزول يا خايب الر جا ( وإذا أراد أن يثبت ما يقول فإن بإمكانه أن يقول: سمعته سمع ذاني أو طب ت كلمته بذاني أو مس كت ه مسك الي د ويكون لها نفس الوقع مثل شفته شوف عيني. وإذا شكك في ما يقوله اآلخرون فهو ال يطلب أن يرى بنفسه كي يتأكد بل قد يطلب من الشخص أن يؤكد له ما قال وأن يعطيه كلمته بأن ما قاله صحيح وفي أقصى احلاالت قد يطلب منه قسما بشرفه أو بذمته أو ميينا بالله أو بالقرآن ولكنه ال يصر أن يرى بعينه ألنه فقط اخلرا هو الذي ما بصدق غير ما يرى! وعندما يصل األمريكي إلى قناعة تام ة بأن شيئا ما غير ممكن وغير قابل للتصديق فإنه يصفه بأنه of" Out "sight أما العربي فقد يقول عمري ما سمعت بأشي من هالشكل. ويظهر الفرق جلي ا في مدى االعتماد على احلواس املختلفة بني األمريكي والعربي في عملية التسو ق أو شراء األغراض, فاألمريكي يتردد كثيرا في شراء أي شيء Unseen" "Sight )دون أن يراه( ويفضل قبل الشراء over" "to look it أي أن يتطلع على األشياء ويتفحصها بنظره ولكنه عادة ال يلمس األشياء وال يتفحصها عن طريق احلواس األخرى. وقد يستاء البائع األمريكي كثيرا إذا ملس الزبون البضاعة أو حتسسها أما أن يذوقها أو يشمها فهذا عمل غير معقول خصوصا إذا كانت البضائع نوعا من أنواع املأكوالت وإذا كانت غير مغل فة. صحيح أن العربي قد يرفض شراء سمك في بحر ويفضل أن يكون السمك موجودا أمامه ولكن ماذا يفعل العربي عندما يحضر السمك أمامه من املؤكد أنه سيمد يده ويقلب عدة سمكات ثم ينتقي واحدة منها ويرفعها ويقلبها ويضغطها بني أصابع يديه ويتحسسها ثم يشمها وينظر في عينيها ويفتح خياشيمها فينظر إليها ويشمها ثم يضعها ويرفع سمكة أخرى وهكذا حتى يجد ما يرغب أو ينتقل إلى مسمكة أخرى. وقد يقال إن هذا ضروري في حال السمك إذ أن السمك سريع التلف ولكن العربي يفعل ذلك مع كل شيء حتى مواد الغذاء اجلاهزة فإنه ال يجد حرجا في أن يلمسها ويضغطها ويشمها وكثيرا ما يذوقها. وإذا كانت السلع ة من األشياء التي ميكن أن يستصدر الشخص منها صوتا فإن العربي يفعل ذلك عن طريق ضغطها أو هز ها أو الد ق عليها بقبضته أو النقر عليها بأصابعه حتى البطيخة التي قد ال يصدق األمريكي أن بإمكانها أن تصدر أي أصوات فإن العربي يرفعها بني كفي ه ويركن أذنه إلى جدارها ثم يضغطها بني كف يه وينصت إلى األصوات التي حتدث في أحشائها وقد ال يشتري واحدة إال بعد أن يكون قد تفح ص عددا كبيرا منها. وحتى إذا شاء العربي أن يشتري حيوانا مثل خروف أو سخل فإنه ال يكتفي بتفحصه عن طريق النظر وحده بل قد يتحسس اال لي ة ليقدر حجمها ووزنها إذا كان احليوان خروفا ويضع يده على ظهر احليوان ويحركها حركات أفقي ة ليقدر س مك طبقة الدهن على ظهره إذا كان سخال وقد ينحني ويضع يديه حتت بطن احليوان واحدة بني الفخذين والثانية حتت الصدر ويرفع احليوان عن األرض ثم يضعه عدة مرات ليقدر وزنه. هذا بعيد جدا عن تقييم األمريكي للسلع بالنظر فقط.

90 90 دراسات في الثقافة والتراث والهوية ومبا أن األمريكي يعتمد على البصر فقط في تقييم السلع وشرائها فقد قامت في أمريكا صناعة ضخمة جدا ت كل ف املستهلك األمريكي باليني الدوالرات سنويا وهي صناعة تعليب أو تغليف السلع "Packaging" والغرض منها إظهار السلعة على أنها أجود وأجمل وأكبر وأفضل مما هي عليه في احلقيقة. ولكننا ال نعتقد أن التغليف سينجح مع العربي بنفس الدرجة التي ينجح بها مع األمريكي إذ أننا نتوقع أن العربي إذا ج وبه بحيلة التغليف فسيقابلها بضغط العلبة وهزها وشدها وثنيها وفي الكثير من احلاالت بفضها أيضا. ويستشهد دنديس باملصطلحات املستعملة في السياحة إلثبات تفضيل البصر على احلواس األخرى عند األمريكيني. فاألمريكيون يسافرون بغرض Seeing" "Sight أي ليروا املناظر وهم ينتقلون من بلد إلى أخرى بسرعة لكي يروا أكبر عدد ممكن من املناظر في أكبر عدد ممكن من البلدان وليقوموا بتوثيق ما يرونه عن طريق تصوير املناظر. فهم كما يقول دنديس ال يستمتعون بأسفارهم كما يجب ألنهم يكتفون برؤية املناظر فال يتعرفون على السكان وال يستمتعون بالروائح والنكهات الغريبة للبالد وال بالطعام أو املوسيقى. والتشديد على رؤية أكبر عدد من املناظر في أكبر عدد من البلدان حاصل حسب رأي دنديس عن الرغبة في احلصول على أكبر كم ممكن مقابل النقود التي دفعوها ثمنا لرحلتهم. إنني ال أعرف الكثير عن السياحة في العالم العربي إلى باقي العالم وال أدري إن كان هناك الكثير من املصطلحات العربية والتقاليد املتعلقة بالسواح العرب ولكننا نعرف أن العربي ال ي عر ف السفر بشكل عام على أنه Seeing" "Sight بل هو يسافر كي يتنز ه أو يشم الهوا و يتفر ج والكثير من املردود الذي يحصل عليه من السفر ال يكون عن طريق النظر حتى املناظر الطبيعية فهو يتذو قها و يتفر ج عليها. وإذا قرأنا كتب الرحالة العرب عن أسفارهم فإننا جند فيها الكثير عن أهل البالد وعن الناس الذين قابلوهم وعن املجالس التي حضروها وعن عادات السكان وتقاليدهم. ولكن هذه القضية ال ميكن البت فيها هنا لقل ة ما هو معروف عن السياحة عند العرب بل يجب تأجيلها إلى حني ت وف ر معلومات أكثر عن املوضوع. وقد يكون هذا املوضوع مجاال لعمل دراسات جميلة وطريفة كأن يتابع الدارس عددا من السواح العرب وآخرين من السواح األمريكيني ويراقب سلوكهم وتصرفاتهم أو أن يأخذ الدارس عددا من كتب الرحالة العرب والرحالة األمريكيني أو األوروبيني من نفس الفترة وفي نفس البالد ويقارنها بالنسبة لألشياء التي جلبت انتباه كل منهم فذكروها أو دو نوها. وتدعم بعض مصطلحات الطب في أمريكا أهمي ة البصر إذ أن املرضى في أمريكا يطلبون من الطبيب them" "to see ويقال عن املريض the" He was seen by "Doctor وكأن الطبيب يعالج بالنظر. أما باللغة العربية فالطبيب يفحص أو

91 األذن العربية والعني األمريكية دراسة في دور احلواس في الثقافة 91 يكشف على املريض وقد يحس يجس أو يعس املريض. وقد يكون مقبوال أن يستمع الطبيب لشرح عن حالة املريض أو أعراض مرضه من أحد أقاربه ثم يكتب له الوصفة ولكن أن يكتب الوصفة مبجرد أن يلقي نظره على املريض فليس مقبوال. وكثيرا ما نسمع الناس يتذم رون من أحد األطباء ألنه ال ب فح ص وال ب ساوي إشي بس بتط لع وبكتب روشيطة! وي فض ل الناس الطبيب الذي يجس أجزاءا مختلفة من جسم املريض ويتحدث معه ويسأله الكثير من األسئلة. وكثيرا ما يحدث في احلكايات اخلرافية العربية أن يسمع الطبيب عن مرض ابن السلطان أو ابنته أو زوجته فيفهم سبب املرض ويذهب ويعالج املريض بنجاح ويتلقى مقابل ذلك املكافأة املوعودة وهي كثيرا ما تكون زواج بنت السلطان. وكثيرا ما يكون سبب املرض هو شدة العشق والغرام لفتاة من بالد بعيدة سمع بجمالها ولم يرها ويكفي مثال أن تدعي عجوز فقيرة على ابن امللك: الله يبليك بحب ل ول بة بنت لولبة! فما أن يسمع اسم لولبة حتى يقع في غرامها ويعود إلى أم ه ليقول لها قيمي فراش الهنا وحطي فراش الض نا ابنك على الدين ماله طب وال دوا إال حب لولبة بنت لولبة. وال أعتقد أن علي الدين الذي يضنيه حب لولبة مبجر د سماع اسمها ميكن أن يكون أمريكي ا بل عربيا شرقيا صاحب أ ذن تعشق قبل العني أحيانا. واألمريكي حسب ما يقوله دنديس ال يحكم بالنظر على الشخص الذي أمامه فقط بل يحكم على الغائبني بنفس الطريقة فهو يحكم على الشخص الذي ال يعرفه أيضا عن طريق صورة Image" "Public أما العربي فال يحكم على الشخص الذي ال يعرفه عن طريق صورة يكونها عن الشخص وإمنا عن طريق سمعة الشخص أو اسمه. وإذا لم يكن لدى األمريكي املعلومات الكافية عن شخص ليكو ن عنه صورة يستطيع أن يحكم عليه من خاللها فقد يضع عليه "Spy" ويطلب منه him" "to spy on أي شخصا يعمل بالنظر ويجمع عنه معلومات بصري ة. أما العربي فإنه يضع جاسوسا يتجسس عليه أي شخصا يجس األمور جس ا أو حتر ي ليتحرى األمور حوله وال يعتمد على البصر فقط كما يعمل أل."Spy" واألمريكي كما يقول دنديس )ص 124 ( ال يفهم احلاضر فقط عن طريق البصر بل املستقبل أيضا فإذا أراد أن يعرف ماذا سيحدث له في املستقبل فإنه يذهب إلى Seer أي الشخص الذي يرى كي ينظر في الغيب ويخبره عما هو مخبأ له. أما العربي فإنه يذهب إلى العر اف الذي يعرف ما هو مخب أ أو الفت اح الذي يفتح أبواب الغيب ويخبره عما خلفها أو مكاشف ليكشف أسرار الغيب. وأخيرا يقول دنديس )ص 124( أن عالقة الناس ببعضهم تقتصر عادة على النظر واألمريكي يكره أن ي لم س أو ي لمس إال في حالة العالقة الغرامية أو اجلنسية

92 92 دراسات في الثقافة والتراث والهوية ويقتصر السالم عادة حتى بعد غياب طويل على تبادل التحي ة عن بعد وفي أدفأ العالقات قد تصل إلى حد السالم باليد ومعظم ما يقال أثناء التحية أو الوداع يتعلق بالنظر إذ يقول الشخص لآلخر: You" "See You Later","It Is Good to See you" "I ll be seeing وهكذا. أما السالم العربي حتى لو كان بني رجلني فقد يعني العناق والقبل التي قد تصل العشرات في حالة خروج شخص من السجن أو عودته من سفرة طويلة. وال يجد الشبان حرجا من السير في الشارع وأيديهم مشبوكة أو على أكتاف بعض. وكما يبني دنديس فإنه ال توجد مصطلحات أمريكية متدح من يستعمل حاسة اللمس أو الشم أو الذوق أو السمع بينما نحن فإننا مندح الشخص اللي بسمع الكلمة ومنجد الشخص اللي عنده ذوق ونقول أن ريحة اجلوز وال عدمه و ريحة األم بتلم. وعندما يرى شابان أمريكيان فتاة جميلة متر على مقربة منهما فقد يقول أحدهما لآلخر Touch" "Look, but Don t أما الشاب العربي فقد يهمس لصديقه: شم وال تذوق! لقد قدمنا في هذه املقالة عددا من املواقف التي تظهر فروقا في مدى االعتماد على احلواس املختلفة بني الثقافة العربية واألمريكية. وما قد مناه هنا ال يكو ن برهانا أو إثباتا لهذه األطروحة ولكنني أعتقد أنه كاف إلقناع الدارس باحتمال صحتها وبأهليتها للبحث والدراسة اجلادة.

93 نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي احلركة النسوية في املجتمع الفلسطيني وكل من يتعاطف مع تلك احلركة من نساء ورجال يطالبون باملساواة بني النساء والرجال ولكنهم ال يقصدون ما يقولونه حرفيا إذ أن من يصغي إلى طلباتهم بدقة سيجد أنهم ال يقصدون فعال املساواة بني الرجال والنساء فهم ال يقصدون زحزحة الطرفني إلى نقطة تقع على نصف املسافة بني الرجال والنساء وإمنا يقصدون بقاء الرجال في مواقعهم وحتريك النساء إلى حيث الرجال. فنسمعهم يقولون أن املرأة يجب أن تلحق بالرجل و«تبلغ«إلى حيث بلغ الرجل و حتصل على ما حصل عليه الرجل. هذه املطالبة طبعا مبنية على فرضية ضمنية يقبلها اجلميع وهي أن الرجل الفلسطيني أو العربي في وضع جيد يحسد عليه وال ينقص املرأة إال أن حتصل على ما حصل عليه الرجل وأن ي سمح لها بأن تسلك وتتصرف كما يسلك ويتصرف الرجال. ولكن وراء ذلك حقيقة ال ننتبه إليها عادة وهي أن وراء الفروق بني سلوك وممارسات الذكور واإلناث فروق أعمق وهي الفروق في طرق تربية الذكور واإلناث والتي تبدأ من اللحظة التي ي عرف فيها األبوان جنس اجلنني املوجود في رحم األم وأن هذه الفروق في التربية ال ت نتج فقط فروقا في السلوك واملمارسات واحلقوق والواجبات بل أيضا فروقا في النفسية والعقلية والشخصية وفي القيم واملث ل والطموحات والنظرة إلى احلياة وإلى العالم ككل. فحني نقول أننا نريد أن نسمح لإلناث بنفس السلوك واملمارسات مثل الذكور فإمنا نحن في احلقيقة نقول أننا نريد أن نربي بناتنا بنفس األساليب التي نرب ي بها أوالدنا. فهل هناك أي مانع من ذلك

94 94 دراسات في الثقافة والتراث والهوية بعد العمل ملدة 35 سنة مارست فيها التدريس واإلرشاد واإلدارة في مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني وتعاملت فيها مع عشرات اآلالف من الطلبة الذكور واإلناث ورصدت فيها سلوكهم وتصرفاتهم وتعرفت فيها على أساليب توافقهم وإستراتيجياتهم في احلصول على أهدافهم املادية واملعنوية فقد وصلت إلى العديد من التعميمات املتعلقة بأفراد كل من اجلنسني. وما سأقوله اآلن ال ينطبق حتما على كل شاب أو رجل فلسطيني وال على كل فتاة أو امرأة فلسطينية ولكنني أد عي أنه ينطبق على املرأة أو الفتاة الفلسطينية النمطية التي متثل األكثرية الساحقة منهن كما ينطبق ما أقوله عن الذكور على الفتى والرجل الفلسطيني النمطي الذي ميثل األكثرية الساحقة منهم. أريد أن أطرح هنا تعميما واحدا أومن بصدقه )واترك التعميمات األخرى إلى مناسبة أخرى(. هذا التعميم هو: أن شخصية املرأة الفلسطينية بشكل عام أفضل من شخصية الرجل الفلسطيني بشكل عام )وقد ينطبق هذا على العالم العربي كله ولكن مالحظاتي تأتي من املجتمع الفلسطيني فقط(. دعوني أوضح ما أقصده بكلمة أفضل وبعد التوضيح أطلق دعوة إلى حترك باجتاه جديد يختلف عما فعلناه حتى اآلن. الرجل العربي- الفلسطيني أكثر ميال إلى الفهلوة أي إلى االعتماد على املظاهر وإلى التزييف واللف والدوران والتهرب من القيام بالواجبات املطلوبة منه واملسؤوليات املركنة إليه ومييل إلى االعتماد على اللجوء إلى احلجج والتبريرات ولوم اآلخرين على تقصيره وإهماله ومييل إلى عدم الشعور باإلثم أو بالذنب أو بتأنيب الضمير على عدم القيام مبا يجب القيام به أو على القيام مبا هو ممنوع أو محرم وال يرى ذنبا أو مشكلة في ذلك إال إذا أ لقي القبض عليه وهو متلبس باجلرمية وعندها يحاول لوم اآلخرين وإيجاد املبررات وال يعترف بالذنب وقد يلجأ إلى افتعال الغضب أو املرض. والرجل في مجتمعنا يسلك وكأن القيام بواجبه ومبتطلبات عمله أو وظيفته هو من قبيل عمل املعروف مع اآلخرين ويتوقع منهم أن يكافئوه وأن يحفظوا اجلميل أو يرد وا املعروف في مناسبة قادمة عندما يكون هو الز بون. وبشكل عام ينظر الرجال إلى القيام مبتطلبات الوظيفة أو أداء الواجب املطلوب منهم كمجرد تبادل مصالح مع اآلخرين وال ت نف ذ طلبات أو ت لبي احتياجات الزبون الذي ال يعترف باجلميل أو الذي ليس في موقع لرد اجلميل. ولذلك جند أن املوظفني الرجال يسرعون في قضاء حاجات من هم أصحاب املناصب أو املواقع من الذين ميكن اللجوء إليهم وقت احلاجة ويكون كل ذلك على حساب الزبائن العاديني أو البسطاء الذين يكونوا قد قضوا ساعات ينتظرون أدوارهم بينما يكون املوظف يشرب القهوة أو يدردش مع زميله أو مع زبون تربطه به صداقة أو عالقة قرابة.

95 نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي 95 إن بناء شخصية الرجل العربي هش وقصم يتداعى وينهار بسرعة عند املصائب والنائبات. والرجل العربي يعتمد على املرأة عاطفيا ومعنويا ويعتمد عليها في اتخاذ القرارات واخلطوات اخلطيرة ولكنه في كل ذلك يعزو الفضل إلى نفسه وال يجد في نفسه الثقة لالعتراف بفضل املرأة عليه بل بالعكس فإنه يهتم كثيرا بإظهار الرجولة والبطولة أمام املجتمع على حساب اإلناث عن طريق إنكار فضلهن والتقليل من قيمتهن وإظهار احتقاره لهن وعن طريق املظاهر السطحية التي متيزه عنهن من متييل العقال أو تفتيل الشوارب أو نفخ العضالت. املرأة العربية أفضل من الرجل في جميع هذه احلاالت وهذه املواقف فهي صاحبة ضمير وتلتزم أكثر بأداء واجباتها ومتطلبات عملها وتتحمل املسؤولية أكثر وتقوم بواجبات عملها ومتطلباته دون حاجة إلى الكثير من احلث أو الدفع. وعندما ت قص ر املرأة في واجباتها أو تخطئ فإنها تشعر باإلثم وتأنيب الضمير وحتاول التعويض عن ذلك في مر ات الحقة. وهي تقوم بواجباتها نتيجة اللتزامها بواجبها ومبسؤولياتها وليس لتسجيل نقاط معروف مع اآلخرين تتأمل استردادها في مناسبات الحقة. وهي ال تقبل الواسطة وال تلجأ إليها إلى الدرجة التي يقوم بها الرجال وهي تشعر باخلجل وتأنيب الضمير إذا جرى تأنيبها أو تعنيفها وحتاول التعويض عن اخللل أو التقصير وإصالح اخلطأ. واملرأة تدعم الرجل وتسنده عاطفي ا ومعنوي ا وترفع من شأنه في املجتمع وتعزو اجنازاتها له وتشجعه على الظهور والبروز في املجتمع وال تبخل عليه باملديح والتمجيد. وإذا كان املجتمع الغربي يقول: وراء كل رجل عظيم امرأة فإنه يجدر باملجتمع العربي أن يقول: وراء كل رجل مجموعة من النساء يوجهنه ويساندنه ويدعمنه وي قلن عثرته إذا تعثر أو ضعف أو انهار. ومن دالئل متانة شخصية املرأة وثقتها بنفسها أنها تكون مستعدة ألن تعزو أفكارها وآراءها وإجنازاتها إلى الرجل وال حتتاج إلى االعتراف بالشكر واالمتنان من قبل الرجل. وميكن فحص مدى صحة أو خطأ ما أقوله بطريقة علمية إمبريقية بسيطة وسهلة وذلك بالرجوع إلى سجالت عينة من الذكور واإلناث في أي جامعة أو مؤسسة تعليم عالي فلسطينية. وأضع هنا بعض الفرضيات ملا سيكشفه بحث كهذا! اعتقد أن بحثا كهذا سي ظهر أن الطالبات بشكل عام يتغي نب أقل من الطالب وأنهن يحصلن على عالمات أعلى وأن الطالب الذكور يلجئون إلى الغش أثناء االمتحانات أكثر من الطالبات ويسرقون أبحاثهم من مصادر منشورة أو من االنترنت أو يلجئون إلى مؤسسات محلية لتحضير األبحاث لهم أكثر من الطالبات وأنهم يقضون وقتا أقل في الدراسة وفي حتضير الواجبات البيتية ويلجئون أكثر إلى احلجج الكاذبة مثل االدعاء بوجود

96 96 دراسات في الثقافة والتراث والهوية دوريات أو حواجز أو مبرض أو موت أحد األقارب وأن الطالب يلجئون أكثر من الطالبات إلى استجداء العالمات من األساتذة وإلى إظهار الغضب والعدوانية وحتى التهديد باإليذاء اجلسدي ألساتذة املساقات التي ال يحصلون فيها على العالمات التي يتوقعونها أو يريدونها. وأضيف هنا تعميما آخر ميكن فحص مدى صحته في بحث كهذا الذي ذكرناه وهو أن الطالبات اللواتي تربني في بيوت تدعم تربية اإلناث ومعاملتهن مثل الذكور واللواتي يقل دن الذكور في سلوكهن وتصرفاتهن تقترب شخصياتهن من شخصيات الذكور في كل نقاط الضعف التي ذكرناها سابقا. إلى أن جت رى مثل هذه األبحاث وتظهر نتائجها نكتفي بالقول بأن هناك الكثير في احلياة الشعبية من األفكار واملمارسات التي تشير إلى أن اإلنسان العربي عرف دائما هذه الفروق املوجودة بني الذكور واإلناث وعبر عنها بطرق شعبية غير رسمية ورمبا غير واعية. أذكر فيما يلي بعضا منها مما تبادر إلى ذهني دون بذل الكثير من اجلهد في البحث والتنقيب آمال أن أقوم أنا أو يقوم غيري في املستقبل بأبحاث علمي ة وجدي ة أكثر. هناك أوال صورة الغول والغولة )أو السعالة في الشعر اجلاهلي( في اخلرافات واألساطير الشعبية وبشكل بارز في احلكايات اخلرافية الشعبية مثل نص نصيص و جبينة و الشاطر حسن. الغول والغولة كائنات خيالية من صنع البشر يسقطون عليها صفات الناس اآلخرين الذين يحقدون عليهم ويكرهونهم أو يغارون منهم أو يحسدونهم. والفروق بني الغول والغولة في الذهن الشعبي وبشكل غير واعي تصو ر بشكل مبالغ فيه الفروق بني الرجال والنساء في ذلك املجتمع كما يدركونها. ومبا أن احلكاية اخلرافية هي فن نسائي فاألغلب أن النساء في مجتمعنا هن اللواتي يسقطن على الغيالن إدراكهن للفروق بني الرجال والنساء في احلكاية الشعبية اخلرافية. تظهر صورة الغول الذكر في احلكاية الشعبية على أنه كائن بشع وجشع ومخيف وله هم ان رئيسيان هما األكل واجلنس فقد يأكل شجرة وبقرة ويبقى جائعا وكثيرا ما يختطف اإلنسي ات ليمارس معهن اجلنس - أو بلغة احلكاية املهذبة ليتزوجهن. ولكن اإلنسية عادة حتتال عليه فقو ة الغول مثل قوة شمشوم اجلبار في شعره وحتتال عليه اإلنسي ة بأن تسمح له أن يضع رأسه على ركبتها فينام وتقلع ثالث شعرات من رأسه فيفقد قوته ويأتي رجل من اإلنس ويقطع رأسه. والغول على الرغم من قوته اجلسدي ة كائن بسيط وطيب القلب إلى درجة تقارب الهبل. فهو غالبا ما يلعب دور األب احلنون فقد يتبن ى فتاة صغيرة ويربيها ويعتني بها إلى أن تكبر ثم يزوجها البن السلطان. والشاب اإلنسي يكتسب عطف الغول مبجرد أن يطرح عليه السالم إذ مبجر د أن يقول الشاب السالم عليكم يا أبونا

97 نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي 97 الغول! يرد عليه الغول: لوال سالمك سبق كالمك خلل يت أخوي اللي على هذاك اجلبل يسمع قرط عظامك! ثم يعطف عليه ويعامله مثل ابنه ولكنه ال يكون قادرا على عمل ما يطلبه الشاب بل يرسله إلى أخيه املوجود على اجلبل التالي ولكن هذا أيضا ال يستطيع مساعدته فيرسله إلى أخته املوجودة على جبل ثالث وهذه تكون هي القادرة واملدب رة فترسم له خطة توصله إلى الهدف ويحصل على ما يريد. أما الغولة فإنها معروفة بالذكاء والدهاء بحيث تستطيع إقناع الرجال بشكل خاص بأنها عمتهم فيحضرون عائالتهم للعيش معها. وتسم نهم الغولة كي تأكلهم ولكن زوجة الرجل تكتشف أنها غولة ولكنها تفشل في إقناع زوجها بذلك فتهرب هي وأطفالها ويبقى الرجل عند عمته الغولة فتأكله وهذا مصير الرجل الذي ال يسمع كلمة زوجته. مجال آخر من مجاالت احلياة الشعبية يظهر فيها ضعف بناء شخصية الرجل ومتانة شخصية املرأة هو سلوكهما في املآمت ويظهر ذلك بشكل بارز عند وفاة فرد من أفراد العائلة في ساعات املساء في أ ج ل الدفن إلى اليوم التالي وتبقى اجلثة في بيت األهل طيلة الليل وصباح اليوم التالي. في حالة كهذه جند أن النساء يواجهن املصيبة وجها لوجه دون مواربة أو متل ص أو هرب من الواقع املرير. فهن يضعن اجلثة وسط غرفة واسعة ويجتمعن حولها فيبكني ويندبن وميعدن وقد يقمن بشق مالبسهن ونثر الت راب على رؤوسهن. كل ذلك يشير إلى أنهن يعترفن بحقيقة وجود املوت وحقيقة حدوث الوفاة ويواجهن املوت وجها لوجه. أما الرجال فإنهم يجلسون في الديوان أو املضافة أو في بيت أحد األقرباء ويقضون الوقت في سرد القصص خصوصا الدينية منها والتي حتتوي على احلكمة واملوعظة وقد يذكرون أحداثا من حياة الفقيد وحاالت مشابهة ملا حدث له وقصصا عن عدم إمكانية الهروب من القضاء والقدر وقد تصل أحيانا إلى أن تصبح بعض القصص غريبة أو طريفة ومسل ية. ويتلخص مجموع سلوك الرجال في إنكار حدوث الوفاة أو محاولة نسيان حقيقة حدوثها والتشاغل بأمور ومشاغل أخرى. وأكثر ما يسبب الذعر للرجال في مثل هذه احلاالت هو أن يصل صوت البكاء والعويل والندب والنواح من مكان وجود النساء إلى مسامع الر جال فيثور بعض الرجال من أقارب الفقيد صائحني فوتوا جو ا يا حرمي! انضب وا يا حرمي!. ويعلنون حترمي الدين للندب والنواح. وقد ظهرت هشاشة شخصية الرجل الفلسطيني ومتانة شخصية املرأة ومرونتها أثناء الفترة التي تلت تهجير الفلسطينيني من قراهم ومدنهم عام قبل بضع سنوات قامت الباحثة ربيحة عالن ببحث لرسالة ماجستير بإشراف كاتب هذه الورقة ودار البحث حول دور الرجل واملرأة الفلسطينية في احلفاظ على العائلة املرح لة واملشر دة أثناء الفترة احلرجة ما بني 1948 و 1962 أي ما بني ترحيل

98 98 دراسات في الثقافة والتراث والهوية العائالت الفلسطينية من أرضها وبيوتها واملرحلة التي بدأ فيها هؤالء املهج رين بالوصول إلى املخيمات في الضفة الغربية و االستقرار فيها باستبدال اخليام بالوحدات السكنية الثابتة. أثناء تلك الفترة كانت العائالت املشردة من ما يزيد على أربعمائة قرية ومدينة تصارع البرد واجلوع والعطش من أجل البقاء اجلسماني واحلفاظ على أفراد العائلة الواحدة مع بعضهم البعض. أثناء تلك الفترة تراجع دور الرجل في العائلة وأ صيب الكثير منهم باإلحباط وأظهر الكثير من كبار السن عدم الرغبة باالستمرار في الصراع من أجل البقاء بينما أظهرت النساء حيوية ونشاطا زائدا وأخذت املرأة على نفسها دور الرجل واملرأة في العائلة في وقت واحد وأبدت مرونة زائدة بتقبل أدوار خارج إطار أدوارها التقليدية ودون املوقع االجتماعي الذي كان لها في مجتمعها السابق حتى وصل األمر بالعديدات منهن إلى السرقة أو االستجداء إلبقاء أفراد عائالتهن على قيد احلياة. لقد ن شرت رسالة الباحثة ربيحة عالن في كتاب صدر عن مركز دراسات التراث واملجتمع الفلسطيني في جمعية إنعاش األسرة سنة وفي صفحة 422 من الكتاب تقول الباحثة في مجال املقارنة بني دور الرجل ودور املرأة أثناء الفترة املذكورة أعاله ما يلي: وأظهرت فترة السنوات األولى للجوء الفلسطيني حيوي ة ونشاط املرأة الريفي ة في سبيل تأمني أساسيات البقاء لها ولعائلتها في الوقت الذي بات أغلب الرجال في متاهات الركود والضياع وأقل قدرة على التأقلم مع حتديات وضعهم اجلديد وغير املسبوق. لقد جنحت املرأة في االستمرار بالقيام بدورها احليوي في العائلة بل وزادت فاعليته بينما ضعف دور الرجل وتوارى خلف دورها في هذه املرحلة ألن املرأة الفلسطينية والريفي ة بشكل خاص كانت متارس أدوارها كافة دون انقطاع قبل النكبة وكانت تتحمل القسم األكبر من معاناة الريفيني االقتصادية واالجتماعية. وأما الرجل فقد بدأ تراجعه في أدائه ألدواره قبل النكبة حتى باتت تنحصر أدوار بعض الرجال في مجال حماية العائلة من أي اعتداء خارجي فلما كانت النكبة كانت نكبة ألداء الرجل وفاعلية دوره. )عالن 422(. 2007: ما نقوله هنا عن أدوار الرجال والنساء هنا طبعا ال ينطبق على جميع الرجال أو جميع النساء وإمنا نتحدث عن الصورة العامة لكل من اجلنسني. ولتوضيح ما جاء حتى اآلن عن الفرق بني أدوار النساء والرجال أثناء ما أسميناه بالفترة احلرجة أدرج فيما يلي اقتباسا مطوال من سيرة حياة امرأة الجئة في مخيم اجللزون مأخوذة من مقابلة أجرتها الباحثة ربيحة عالن وظهرت في كتابها املذكور أعاله )املصدر نفسه: (. تقول السيدة )م.ر(:

99 نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي 99 أجوا املسلحني في الليل صاروا يصفروا بالصفارات يقولوا: يا عالم اللي عنده عيال يرحلهم. اليهود أخذت عنابة. حملت والدي أنا وجوزي وطلعنا في الليل شردنا. جينا على بلد اسمها املدية وعلى كفر نعمة. وأني م ولد هان وولد هان في حضني. ميرقن النسوان يد ر ن يعيطن علي. ويقلن يا ويلي عليكي يا هالبنت صغيرة بقيت. يقولوا: بنتك بنتك جلوزي. يجنب خبز ويح ط ن. ما أجا املغرب إال صفتة خبز هالقد جنبي وأنا أعيط أعيط. أقول وين بدي أروح أنا. وبعدين جينا على بيرزيت. قعدنا ثمن تيام حتت الشجر. حتت شجر الصنطروزة ]السانتا روزا[. مطولناش بقيت أسوي مفتول في املنخل اللي بنخل فيه ونوكل. بقينا نروح انحطب مرمي ة حطب مرمية ونوق د. وأفرك الطحني وأسوي مفتول. ونوكل أنا وهاخلتيار. وحلقنا اللدادوة على غزة. صاروا الناس يقولوا: غزة غزة جينا على غزة. رحلنا مع اللدادوة. قعدنا في املدارس. قعدنا في مدرسة الظ هرة. أجو الناس أجني هالسيارات قالوا اللي بدو يروح على البريج وعلى النصيرات. يا الله يا الله قومي يا ولي ة خذي والدك واطلعي احميلك بيت. طلعنا على النصيرات لقينا ب نى جيش ]أبنية معسكر[. قعدنا في هالبيت ال إله سقف وال إله إشي. مل ينا ألواح زينكو مطرح اجليش اإلجنليزي وست اهن زملتي بقى شاطر- ستاهن وقعدنا في هالبيت. وناس أخذوا خيم وناس هيك وقلطنا ]عشنا بصعوبة[ يعني. هاي عضات الكالب ألوريك إياهن...آجي ع هالبيت رز قيني يا خالتي يطلعنلي بهالعصي البدويات يقلن لي اننت حرميات سراقني انتو يا مهاجرين. يا الالاا ]بصوت عالي تنهرها[. جيت على هالبيت اال هو أنا بقول: رزقيني يا خالتي على ايدي بنت وال هو ولد وأصير أعيط. ملا عظني الكلب ارمتيت على األرض صرت أعيط. طلعت جابت زيت وطحني جبلته وحتطلي قال مشان ما يسميش اجلرح قالت ما تخافي هاي ما هي مسعورة هاي كلبة مجرية.هاذي مجرية مجرية تقولي ما تخافيش. هاظا في غزة. وبعدين أنا في عندي حلاف قطن بقى فرطته وجبت قطناته ورحت بعتهن. بحقهن جيت على بياع هاحلالوة بيقول: حالوة مكة يا والد حالوة مكة يا والد. بقول له بيش بتبيع الكيلو اشتريت ثالث كيلو. حطيتهن في هالصنية وزملتي معي قلتله قول: هي حالوة مكة يا والد. صار يقول: هي حالوة مكة يا والد. طلعوا لوالد تايشوفوا اشو دينها قرامي هذولة بيقولوا قرمي ة عنها. أنا شاطرة. نفقناهن بنص الطريق عند البوليس احلربي. قلتله إش رأيك ]لزوجها[ أرجع أجيب أخرى نقلة قالي: أل بكرة. قلتله: أل إربحنا النص. إرجعت إرجعتله ]لبائع احللوى[ قلتله يا عمي بدي حالوة قالي تعالي

100 100 دراسات في الثقافة والتراث والهوية بدي أروح أسويلك في الدار مظلش معي. رحت. قلي اقعدي بر ة. قعدت برة. صرت أطلع عليه من شقوق الباب. طبخ احلالوة وص ب ها على هالبالطة وقلبها وحطها على خشب وصار يسوي فيها هيك وهيك ميغط فيها ويسوي هيك وميغط ويسوي هيك ]متثل حركة يديه[. قلت هيني عرفت. ملن جمدت جاب هالنشا ورشه على اجلريدة ومغ طها ومغ طها زي احلبل. وجاب هاملقص وصار يقص فيها. شقف شقف قرامي يعني. سحبت حالي كي ل لي ]وزن لي[ ثالث أواق والال هو كيلو هالزملة وروحت. برظ ه صار يبيع ]زوجها[. برظ ه ن ف ق. قلت خلي للوالد حرام والدي زغنونني خاللهم شقفتني. قلتله هات تساوي زيها قال: أل ]بصراخ[ بتحيني على املصاري. قلتله: والله غير أسوي. رحت جبت كيلو سكر وجبت نشا وسويت ودرت أمغط وسوي. إنغاروا اجليران مني اللدادوة- صاروا يسووا لوالدهم. يجني وأسويلهن وأطبخلهن... صار عقب ما بقينا نبيع الشقفة بتعريفة صرنا نبيعها بخبزة بلقمة خبز هالقد يوم الال هو راح يبيع على املغازي. الال هو أجا فاظي بقوله مالك بقول: يلعن أبو العرب على أبو أبصر إيش. صار يسبسب. حامل الصيني ة قالي خذي رماها وقعد. قلتله مالك قالي حلقني واحد بدو يطخني وأخذ احلالوات وأكلهن قلتله: طب ع م رين ]ال يهم[. ثاني يوم راح سويتله. راح ع العرب همه همه. بقوا عرب جايني من السبع وقفه زملة قله عالمك يا زملة تعال إقرع هاحلالوات إقرعهن يعني حطهن. حطهن قسمهن ع لوالد. أعطا تنكة مالنة إذرة وتنكة مالنة قمح تنكة كاز مسح. شلح قميصه وعقدهن فيه. وأجاني مشلح بالبنطلون. مالك أجاني يضحك قلي خذي هيو انقتل الزملة اللي أخذ احلالوات مني. قلتله شو عرفك قلي هاظا من عرب أبو منديل. قله بتعرف الزملة اللي هاظ عليك ]هجم[ في الفرد قله: آه! قله: انطخ قتلوه اليهود. قله يا الال هي الله قلده يا الال هي رزقتك روح اطعم اوالدك. أجا مبسوط هالزملة وفرحان. صار يبيع على العرب اللي في ذيالنا. ما يروحش غاد يقطع الواد تبع املغازي هاظ. يوم إال أنا بقوله: أقولك قال: آه. قلتله: هات تامني أدورلك شغلة أخرى. صرت أروح أجيب مرمي ة. هناك املرمية غالية. أجيب املرمي ة وأقسمها كوام كوام كوام كوام. كل كوم بتعريفة بتعريفة بتعريفة. كثروا بياعني احلالوة طب صار بخبز يبيع بتجبش مصاري ووالدي بدهم مصروف. بعدين قام يبيع املرمية راح يبيع في حارة التركمان في غزة. قلتله مرة ]امرأة[: تعال يا رج ال تعال عليك الله وأمان الله. قلتله بقديش املرمية قلها: الورقة

101 نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي 101 بتعريفة. عد ته ن أك م ورقة وقالت: خذوا ودي هاي لدار فالن وهاي لدار فالن وهاي لدار فالن. باعتله إياهن املرة من حارة التركمان أجا مبسوط. صرت أجيب خيطان. خيطان للعرب بيبرموهن برم. واشتريت بريق زيت يبيع زيت. صبونة يبيع خيطان. أقوله بيع تستحيش. سويتله خ ر ج. يحط اخلرج على كتفه وميليه ويقول: هي املرمي ة يا بنات هي لسلوك بقوا يقولوا سلوك عن اخليطان بنات العرب- هي اإلبر هي الصابون. صار يبيع. غار ن اللداويات. صارن يسون لوالدهن زي ي. طيب شو بدي أسوي صاروا يبيعوا زي ي. زي ما يبيع زملتي يبيعوا يشترن لوالدهن النسوان... بقوا يقولولي إم العبد الفالحة عمن ي ألبس ثوب أسمر وثياب بيض. بقيت وهنه بقني مدنيات ويقلن هأل وهأل وهيك بيقلن. يوم: الال أنا جيت جلارة مثل أمثالك قلتلها: يا إم فايق: العرباي منيحة قالت منيحة: إن ما غنت سترت. آه كنت أشتري سفلوج ]نوع من اخليوط[ بيجي من سورية حرير واعمل شاالت إلبني ويروح يبيع على اجليش املصري وأربح. وعلى باب زي هاظا في أربعة وعشرين مسمار أشدهن نول أشده أشده هيك. وبعدين أقصقصه في املقص ينشدن اخليطان الفواقه والتحاته وألفلفه هيك يصير لفاليف لفاليف ورد. إيبيع على اجليش املصري إبني اللي في مصر هاظا. بقى واعي اشوي منيح يوم أجا هالزملة د فعة. بقينا انقولهم يا دفعة للجيش املصري. قله هات. أجا هاجلندي مصري وأخذهن منه وحطهن حتته حتت الكرسي وشرد. ملن شرد أجا يعيط. مالك ميا يا عبد املجيد بقول ي: أجا العسكري وأخذهن مني وشرد. قلتله بتعرفه قلي بعرفه في الوجه وبعرف الك تيبة اللي عبر فيها. رحت معاه ثاني يوم وأعيط. ثالث شاالت - أنا تعلمت صغيرة يتيمة بقيت علمن ي جاراتنا وأخربش على ذيال فساتيني بقيت رحت وال عسكري ما رضي يقول. يا الال روحي روحي يقولولي. ارجعت قالنلي جاراتي بيعوض الله. قلت بطلت أسوي شاالت. صار الكل يبيع شاالت. رخصن الشاالت. يوم جيت جلارتي قلت بيش العرباية بدي أشتري جلوزي عرباية قالت: إن ما غنت سترت منيحة. أخذت نفس عربايتهم حوشناهن ثالثتعشر ليرة مصري. صار راح يقبع زفتة عن اذيال االسفلت على ايام االجنليز ويبيعه للحمامات في غزة يوقدوا نار بعيد عنك يبيع للحمامات ويحمل بطيخ للعرب ويحمل عنب ويحمل تني ويحمل إشي. صرنا مبسيط يا محالنا... وكان اخل ط اب يجوها ]البنتها الكبرى[ تقول أبدا. تا يكبر أصغر واحد في أخوتي ويصير يشتغل بجوز أنا بدي أربي أخوتي تقول الله يرحمها.

102 102 دراسات في الثقافة والتراث والهوية ما قلناه عن الفترات احلرجة ال يعني أن املرأة في العائلة الفلسطينية العربية حتت الظروف العادية تكون عادة مقموعة وخنوعة وال دور لها في اتخاذ القرارات وتسيير األمور في العائلة بل بالعكس فقد يكون دور املرأة في األمور الهامة أهم وأقوى من دور الرجل ولكن رأي املرأة في هذه احلاالت قد ال يكون واضحا وصريحا وإمنا تلعب املرأة دورها من وراء الكواليس عن طريق إقناع الرجل بوجهة نظرها ثم دفعه للظهور على املسرح والقيام بدوره الذكوري العلني الذي يتوقعه منه املجتمع منفذا وجهة نظر املرأة نيابة عنها. وتكون املرأة بذلك قد متكنت من تنفيذ قراراتها واحلصول على النتائج التي تريدها وفي نفس الوقت أوفت مبتطلباتها للمجتمع ولم تتحداه بينما نال الرجل رضا املجتمع وإعجابه وأرضى غروره وكسب تعاطف زوجته أو أمه أو أخته أي أن األنثى هي التي مانت عليه وأنابته عنها. أورد فيما يلي مثالني من الواقع أحدهما من رام الله واآلخر من إحدى قرى اخلليل جمعت املثال األول إحدى طالباتي سابقا في عام 1994 وحتدثت فيه عن قضية دارت أحداثها بني بعض أقربائها وقريبتها ]قمت بتغيير األسماء املذكورة في القصة وأضفت خطا حتت بعض اجلمل الهامة بالنسبة ملغزى القصة: في أثناء تواجدي في بيت عم تي حضر لزيارتهم جيرانهم أبو حسني وزوجته فأخذوا يتحدثون عن أن هناك عريسا جاء خلطبة ابنتهم. وحسب حديثهم فإن أبو حسني كان مقتنعا بالعريس أما أم حسني لم تعبر عن رأيها وبقيت صامتة وعندما سألتها عم تي عن رأيها قالت: اجليزة قسمه ونصيب وإذا إل ه نصيب بوخذها. وبعدما صمتت لثواني قالت أم حسني: بس والله الل ي ب ص حل ها واحد بقربلها بهن يها القريب أبدى من الغريب. ه ي ابن اختي ما شاء الله عليه والله هالشب من خيرة الشباب ما بتعي ب لكن حسنية هي وأبوها بتختلص هي واياه الل ي بدهم اياه همي ح ر ين. والله ما بحب اتدخ ل في هيك ش غ الت. أبو حسني أدرى وهو الز ملة بتصر ف. وفي حديث جانبي مع عم تي أخبرتني بأن أم حسني تريد ابن أختها لبنتها وهي بتقن ع في بنتها ولكن أمام زوجها تبدو وكأنها تترك األمر له وبعدها جاء شقيق زوج عمتي فاستأذنت. وبعد أسبوع من حضورهم لزيارة عم تي أخبرتني عم تي بأن أم حسني أقنعت زوجها وبنتها وخطب ت البنت البن خالتها وبعد شهر العرس. احلالة الثانية جمعها عام 1994 أحد طالبي سابقا من إحدى قرى اخلليل وهي أيضا تدور حول العالقات اليومية بني أقارب هذا الطالب الذين كان على اتصال مباشر ويومي معهم ]قمت بتغيير أسماء األشخاص في القصة ووضعت خطا حتت بعض املقاطع التي أعتبرها مهمة[.

103 نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي 103 األشخاص ذوو العالقة مبوضوع اتخاذ القرار في العائلة هم: أم سعيد: امرأة عمرها حوالي 60 سنة أمي ة. أبو سعيد: عمره حوالي 65 سنة أم ي له زوجة أخرى غير أم سعيد وله 17 ابن وابنة معظمهم متزوجون وجميعهم فوق سن التوجيهي. أبو علي: أخو أم سعيد عمره حوالي 50 سنة له 9 أبناء زوجته متوفي ة هو وأبناؤه يسكنون قرب منزل أم سعيد وأبو سعيد. الطالب الذي دون هذه املالحظات يكون زوج بنت أم سعيد وأبي سعيد ويسكن قريبا منهم وعلى اتصال دائم معهم. أبو علي يبحث عن عروس بعد وفاة زوجته األولى يقول الطالب: وأخيرا خطب أبو علي من مخيم العروب فتاة هي قريبة لزوج أم سعيد وأم سعيد تسكن قريبة من منزلنا في القرية وهي أم زوجتي ففي زياراتي إلى منزلهم بعد خطوبة أبو علي حتدثت مع أم سعيد بحضور زوجها في منزلهم حيث كنا جنلس في غرفة الضيوف فباركت لها بخطوبة أخيها أبو علي وسألتها من الذي اختار خطيبة أبو علي فأبو علي ال يعرفها فقالت أنها تعرف الفتاة وإنها فكرت مرارا في عدة فتيات وتذكرت هذه الفتاة وقالت لزوجها تسأله عن رأيه فقال لها أنها مناسبة جدا ومن ثم طرحوا املوضوع على أبو علي وذهب أبو علي وأبو سعيد إلى مخيم العروب وحتدثوا مع أهل الفتاة مع جدها ثم مع أمها القريبة ألبو سعيد وتقرر البت في املوضوع بعد عودة أبيها من السفر من األردن. فعلم في املوضوع جيران وأقارب ألبو علي فبادرت أم سعيد حسب ما قالت لي في اجللسة املذكورة ونبهت على قريبات أبو سعيد أن ال يتدخلن في املوضوع بعد إحساسها أنه قد يكون لقريبات أبو سعيد دور في التأثير على قرار أهل الفتاة حسب أقوالها. وقالت لي أنها زارت خطيبة أبو علي وقالت لها وألمها أن أبو علي له أبناء وعلى نسرين خطيبة أبو علي أن حتافظ على خطيبها وأبنائه وأن ال تسمح ألي شخص في التدخل في شؤونهم. فسألت أم سعيد من تقصد في ذلك فقالت قريبات أبو سعيد قد يتدخلن في شؤون نسرين وعائلة أبو علي بعد الزواج لذلك هي تريد أن تنبه عليها مسبقا قبل الزواج لكي حتترص وحتافظ على أبو علي وعائلته. وأضافت أنها قالت لعائلة الفتاة أن وضع أبو علي املادي سيء بسبب إنفاق ماله على زوجته املريضة األولى املتوفية لذلك عليهم أن يقدروا هذا الوضع وال يتطلبوا ما ال قدرة له عليه وسألت أم سعيد عن أبناء

104 104 دراسات في الثقافة والتراث والهوية أبو علي هل هم موافقون على تزويج أبيهم فقالت أم سعيد أنهم لم يكونوا موافقني قبل أن تزورهم أم سعيد وتتحدث مع أبناء أبو علي مع ابنه األكبر وتقنعهم بأن زواج أبيهم ضروري وأن هذه الفتاة هي فتاة مناسبة وأضافت أنها رافقتهم في زيارة إلى خطيبة أبيهم وأنهم غيروا موقفهم الرافض لزواج أبيهم بعد زيارتهم خلطيبة أبيهم واتفقوا معها أنها مناسبة. وسألت أم سعيد هل عقد عليها الكتاب فقالت أن أهل الفتاة يقولون أنهم ال يصافحون قبل شراء الذهب فسألتها من الذي يقول هل هي أمها فقالت أن أمها وجدها لهما دور كبير فجدها ألبيها يشترط كثيرا من الشروط وسألتها عن حتديد موعد الزواج فقالت أن الزواج بعد تدبير املصاريف. كنت قد سمعت أن أبو علي حدد موعد الزواج فقررت زيارة أم سعيد وزوجها لالستفسار عن تفاصيل الزواج فتوجهت إلى منزل أم سعيد فوجدتهم في منزلهم هي وزوجها وأبنائها في غرفه أخرى يشاهدون التلفزيون فقلت لهم أني أريد أن أجلس في غرفة الضيوف فلحقني أبو سعيد وأبنائه إلى غرفة الضيوف وهي أحضرت الشاي وبعد حديثنا في مواضيع ثانوية سألتها: هل صحيح أبو علي حدد موعد العرس فقالوا نعم صحيح فقالت أم سعيد أن أبو سعيد ذهب إلى العروب وحتدث مع أم الفتاة ومع جدها وأنه تناقر معهم لكثرة طلباتهم مع العريس وأن العريس ال يستطيع توفير كل ما يطلبونه فقلت لها: هل ذهبت معه فقالت لم أذهب معه فقلت لها: ممكن لو ذهبت معه لكان لها تأثير على أمها فقالت: فهمت أبو سعيد شو يحكيلهم. ونستشهد أخيرا ببعض األفكار من أحد أهم فناني الكاريكاتير الفلسطينيني إذ أن الفنان إنسان ذو حس مرهف يعمل بروحه وقلبه قبل عقله ويدرك بحدسه وسليقته دون حتليل منطقي علمي ما يدور في أعماق الالوعي اجلماعي للمجتمع الذي يعيش فيه يصل إلى احلقائق املطلقة لطبيعة املجتمع ويرى ما وراء القشور الثقافية من عادات وتقاليد وقيم ومعايير وتوافقات وقوانني ليصل إلى تلك الروح الضمنية التي هي جوهر حياة املجتمع التي تعطيه شخصيته ونكهته عبر الزمان واملكان. أدرج فيما يلي عددا من رسومات الفنان الفلسطيني الكبير املرحوم ناجي العلي التي أظهر فيها إدراكه ملتانة روح املرأة الفلسطينية وشخصيتها ومدى حتكمها بالرجل واعتماد الرجل عليها في الشدائد واألزمات.

105 نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي 105

106 106 دراسات في الثقافة والتراث والهوية

107 نحو املساواة بني الذكور واإلناث في املجتمع العربي 107

108 108 دراسات في الثقافة والتراث والهوية بشكل عام أقول أن املرأة الفلسطينية إنسان أصلح وأجنع من الرجل لتحم ل مسؤوليات مجتمع يحتاج إلى الصمود والنهوض حتت ظروف صعبة مثل مجتمعنا يخضع لالحتالل واالستعمار وحتى إلى محاولة االقتالع واإلبادة. إذا كان ما قلته أو جزء كبير منه صحيحا وأنا اعتقد أنه كذلك فأنا ال أدعو فقط إلى عدم محاولة مساواة اإلناث مع الذكور بل بالعكس فإنني أدعو إلى مساواة الذكور مع اإلناث. فلماذا نفرط بشخصيات أبنائنا وال نعاملهم بنفس اجلدية واالحترام واملسؤولية كما نعامل بناتنا إن املساواة تأتي عن طريق تربية أبنائنا بنفس األساليب والطرق التي كنا دائما نربي بها بناتنا. ورمبا عندها فقط نستطيع أن نباهي العالم بالقول: والله عندنا رجال الواحد أحسن من مرة!

SAMMEN ER VI STÆRKERE

SAMMEN ER VI STÆRKERE SAMMEN ER VI STÆRKERE Dansk kultur og samfundsforhold for nyankommne flygtninge i Hillerød Kommune. To kulturer mødes Kurset skal ses som introduktion for dig som nyankommet flygtning. Kurset vil give

Læs mere

علم النفس الصناعي والتنظيمي

علم النفس الصناعي والتنظيمي علم النفس الصناعي والتنظيمي Industrial Organizational Psychology األستاذ الدكتور عويد سلطان المشعان الهذال كلية العلوم االجتماعية قسم علم النفس - جامعة الكويت dhc Gى á Ñ dg 1437-2016 القيادة واإلدارة يف

Læs mere

( ) ( ) ( ) 1- العبارة الدالة العبارية ب- تعريف أمثلة. لتكن y. العبارة ) x p( أمثلة العبارة محقق أمثلة

( ) ( ) ( ) 1- العبارة الدالة العبارية ب- تعريف أمثلة. لتكن y. العبارة ) x p( أمثلة العبارة محقق أمثلة مبادئ في المنطق I- تعاريف ومصطلحات - الدالة العبارية أ- آل جملة صحيحة نحويا و يمكن الحكم عن صحة معناها أو خطا ه بدون نقاش تسمى عبارة. نعتبر النصوص التالية : 3 عدد زوجي 4 = 8 : 5+ 7 4 : 3 و عبارتان صحيحتان

Læs mere

4. ( ) к ===== 565. (2) [1/179- ] ., a 564. (1) [1/179- ] 566. (3) [1/179- ] .''(, 11:114)

4. ( ) к ===== 565. (2) [1/179- ] ., a 564. (1) [1/179- ] 566. (3) [1/179- ] .''(, 11:114) -٤ ك ت اب ال صال ة : ١٥٢٢-٥٦٤ الج ز ء : 4. к : 564-1522 a :I 191 ١ ٤- ك ت اب ال صال ة 4. ( ) к ي ' ш. a х,. к a. к (). к. a a. к. ===== ا ل ف ص ل األ ول a 565. (2) [1/179-] - ٥٦٤ () к: к () ] ١ [ ) صحيح

Læs mere

المتتاليات الترجعية ثانية باكالوريا شعبة اآلداب والعلوم االنسانية و شعبة التعلين األصيل ملخص ادلرس

المتتاليات الترجعية ثانية باكالوريا شعبة اآلداب والعلوم االنسانية و شعبة التعلين األصيل ملخص ادلرس المتتاليات الترجعية ثانية باكالريا شعبة اآلداب العلم االنسانية شعبة التعلين األصيل عنان الدرس :.I المتتاليات الترجعية.II من انجاز األستاذ : طارق بزيد.III المؤسسة : تذكري. املتتاليات الهندس ية. املتتاليات

Læs mere

Arabisk. Tekst- og opgavesamling B. Til elever, der læser og skriver på arabisk som stærkeste sprog. Afdækning af litteracitet

Arabisk. Tekst- og opgavesamling B. Til elever, der læser og skriver på arabisk som stærkeste sprog. Afdækning af litteracitet Afdækning af litteracitet Tekst- og opgavesamling B Arabisk Til elever, der læser og skriver på arabisk som stærkeste sprog 1 Introduktion Denne tekst- og opgavesamling anvendes sammen med samtaleark,

Læs mere

مبادئ في المنطق طارق بوزيد ثانوية موالي اسماعيل التأهيلية نيابة الدريوش مبادئ في المنطق أولى باكالوريا علوم رياضية عنوان الدرس : من انجاز األستاذ :

مبادئ في المنطق طارق بوزيد ثانوية موالي اسماعيل التأهيلية نيابة الدريوش مبادئ في المنطق أولى باكالوريا علوم رياضية عنوان الدرس : من انجاز األستاذ : مبادئ في المنطق ألى باكالريا علم رياضية 1 عنان الدرس : مبادئ في المنطق من انجاز األستاذ : طارق بزيد المؤسسة : ثانية مالي اسماعيل التأهيلية نيابة الدريش.I عبارة داةل عبارية.II املمكامت امعبارات املمكمة.III

Læs mere

Wakf.com og Munida.dk Hjerternes sygdomme. Hvad er der sket siden sidste uge? Hvor mange har skabt en positiv ændring i deres liv?

Wakf.com og Munida.dk Hjerternes sygdomme. Hvad er der sket siden sidste uge? Hvor mange har skabt en positiv ændring i deres liv? Wakf & Munida 2010-2011 Wakf.com Munida.dk Hvad er der sket siden sidste uge? Hvor mange har skabt en positiv ændring i deres liv? 1 ?(المراء ا و الجدال) Hvad er Mirâ og Jidâl Sprogligt: Al-Mirâ (المراء)

Læs mere

العروض التقديمية PowerPoint Presentations

العروض التقديمية PowerPoint Presentations الفصل الحادي عشر العروض التقديمية PowerPoint Presentations 11.1. في هذا الفصل: تعتبر الشرائح البنى األساسية للعرض المرئي. في هذا الفصل سنتعلم استخدام برنامج PowerPoint إلنشاء شرائح )Slides( إدخال النص

Læs mere

لمرض السرطان اذهب إلى الطبيب إذا كنت تعاني من. Arabisk سعال أو بحة في الصوت لمدة عسر البلع تغير في نمط البراز

لمرض السرطان اذهب إلى الطبيب إذا كنت تعاني من. Arabisk سعال أو بحة في الصوت لمدة عسر البلع تغير في نمط البراز Arabisk اذهب إلى الطبيب إذا كنت تعاني من عسر البلع عسر البلع لمدة أكثر من شهر سعال أو بحة في الصوت سعال أو بحة في الصوت لمدة أكثر من شهر تغير في نمط البراز تغير في نمط البراز مثل اإلصابة باإلسهال واإلمساك

Læs mere

( ) ( ) ( ) 1- العبارة الدالة العبارية العبارة نشاط نقاش 8 4= 32. p q r s t تعريف. و t عبارات ليس بعبارتين. s و r و q و p النصان عبارة.

( ) ( ) ( ) 1- العبارة الدالة العبارية العبارة نشاط نقاش 8 4= 32. p q r s t تعريف. و t عبارات ليس بعبارتين. s و r و q و p النصان عبارة. مبادئ في المنطق I- تعاريف ومصطلحات - الدالة العبارية أ- نشاط ضع العلامة في الخانة المناسبة نص رياضي صحيح خاطي لا يمكن الحكم على صحتها أو خطي ها بدون نقاش 8 4= 3 r s t ( y ; ) مجموع عددين فرديين هو عدد

Læs mere

برنامج إرشاد الوالدين

برنامج إرشاد الوالدين برنامج إرشاد الوالدين برنامج إرشاد الوالدين هو عرض عام لجميع األهالي الذين لديهم أطفال من حديثي الوالدة إلى سن الثامنة عشر, من خالل البرنامج يمكن لألهالي أن يلتقوا في مجموعات لتبادل الخبرات في طرق رعايتهم

Læs mere

أطفال أصحاء في بلد جديد من سن SUNDE BØRN I ET NYT LAND 0-2 ÅR ARABISK

أطفال أصحاء في بلد جديد من سن SUNDE BØRN I ET NYT LAND 0-2 ÅR ARABISK أطفال أصحاء في بلد جديد من سن 2-0 سنة SUNDE BØRN I ET NYT LAND 0-2 ÅR ARABISK 2017 Indhold Tillykke med jeres baby 1 At blive forældre i et fremmed land 2 Det danske sundhedsvæsen tilbud til familier med

Læs mere

Rejse Komme omkring هل يمكنك ا ن تريني ا ين توجد على الخريطة ا ين يمكنني ا ن ا جد ... حمام ... بنك/مكتب تصريف ا موال ...فندق ...محطة وقود ...

Rejse Komme omkring هل يمكنك ا ن تريني ا ين توجد على الخريطة ا ين يمكنني ا ن ا جد ... حمام ... بنك/مكتب تصريف ا موال ...فندق ...محطة وقود ... - Sted Ikke at vide hvor du er ا نا ضاي ع I am lost. هل يمكنك ا ن تريني ا ين توجد على الخريطة At spørge efter et bestemt på et kort ا ين يمكنني ا ن ا جد At spørge efter en bestemt Can you show me where

Læs mere

Min demente mor var sjov

Min demente mor var sjov SEPTEMBER - NOVEMBER 2017 Tema: Demens Min demente mor var sjov Helle Hansen er kendt af mange for sin indsats i Gellerup, bl.a. gennem Skræppebladet og beboerforeningen. Færre kender historien om Helles

Læs mere

ا دارة الجودة الشاملة بين الفكر البشري وا صالة الا سلام د.حديدان صبرينة جامعة جيجل

ا دارة الجودة الشاملة بين الفكر البشري وا صالة الا سلام د.حديدان صبرينة جامعة جيجل الملخص: ا دارة الجودة الشاملة بين الفكر البشري وا صالة الا سلام د.حديدان صبرينة جامعة جيجل تشهد المو سسات انفتاحا على البيي ة التي تعمل فيها مما يجعلها أمام رهان المنافسة من أجل البقاء والا ستمرار وذلك

Læs mere

الله وه نم ط حيسملا قير ناميلإاب يقلا تلأ

الله وه نم ط حيسملا قير ناميلإاب يقلا تلأ من هو هللا ط ريق المسيح ألت القي باإليمان ممارسة اإليمان أإليمان والش ك «وأم ا اإليمان ف ه و ا لث ق ة ب م ا ي ر ج ى و ا إليق ان ب أ م ور ال ت ر ى«كما ورد في الكتاب المقد س )ألر سالة إلى الع ب ران ي ين

Læs mere

100 00 *a Lindgren *h Astrid

100 00 *a Lindgren *h Astrid Date submitted: 01/07/2010 استخدام أآواد الا دوار فى الا تصال بنقاط الوصول (الا تاحة) بدلا من ببيانات المسي ولية التنفيذ الدنمارآى هان هورل هانسن مستشار الببليوجرافيا المجلس الدنمارآى للببليوجرافيا (DBC)

Læs mere

المصطلحات اللسانية عند ابن خلدون اللسانيات المعاصرة أ.عمر لحسن جامعة عنابة مقدمة

المصطلحات اللسانية عند ابن خلدون اللسانيات المعاصرة أ.عمر لحسن جامعة عنابة مقدمة المصطلحات اللسانية عند ابن خلدون 85 المصطلحات اللسانية عند ابن خلدون في ضوء اللسانيات المعاصرة أ.عمر لحسن جامعة عنابة مقدمة قد يتساءل أحد عن سبب االهتمام بابن خلدون يف عصرنا وقد بلغت الدراسات اللسانية

Læs mere

1 3Renault KAPTUR. ² ه ـ à س à ص م ن س à ل à ï ـ م ل ف ه ر ن ر è ع ع

1 3Renault KAPTUR. ² ه ـ à س à ص م ن س à ل à ï ـ م ل ف ه ر ن ر è ع ع 1 3Renault KAPTUR ² ه ـ à س à ص م ن س à ل à ï ـ م ل ف ه ر ن ر è ع ع 1 3c ن â ض ق ف ض ك ع ض ـ ف ه é ê ع ق â ض ظ ه ف î ن ر ن ر ق ± ر â ن ك ض â م ن س à م ELF RENAULT â ض ـ à ق ض ك ص ه ض ن ELF Elf ع Renault

Læs mere

ساعد أبنك بتطوير لغته

ساعد أبنك بتطوير لغته ساعد أبنك بتطوير لغته ماما بطة نعم البطة تأكل خبزك أبنك يتعلم منك بهذه النسخة نتوجه إلى جميع اآلباء, اللذين يرغبون بالمعرفة حول تطوير لغة طفلهم و االقتراحاتلكيفية المساعدة لطفلهم للحصول على لغة جيدة. العائالت

Læs mere

خليل السكاكيني الكتاب الثالث اختبار االنتداب وأسئلة الهوية

خليل السكاكيني الكتاب الثالث اختبار االنتداب وأسئلة الهوية الكتاب الثالث اختبار االنتداب وأسئلة الهوية 1919 1922 تقديم ثالث صفات مي زت الفلسطيني النجيب خليل السكاكيني )1878 1953( : وطنية حاسمة جعلته حارضا يف الحياة الوطنية يف جميع وجوهها خطيبا ومحر ضا ومبادرا

Læs mere

شبيبة على الطريق معلومات حول التعليم للشبيبة واألهالي

شبيبة على الطريق معلومات حول التعليم للشبيبة واألهالي شبيبة على الطريق معلومات حول التعليم للشبيبة واألهالي فهرس احملتويات املقدمة 3 شبيبة على الطريق معلومات حول التعليم للشبيبة واألهالي الطبعة اخلامسة النسخة األولى احلقوق محفوظة لوزارة التعليم الدمنركية

Læs mere

1 C 1 C C 1 C 5 10 = = eq eq. eq 1

1 C 1 C C 1 C 5 10 = = eq eq. eq 1 ذ. الوردي المختار daaelouardibac.jimdo.com التمرين األول لدينا مجموعة مكثفات متماثلة سعة كل منھا = 0, mf.. - عين طريقة تجميع عدد من ھذه المكثفات للحصول على مكثفة مكافئة سعتھا 5 mf. - حدد عدد المكثفات المستعمل.

Læs mere

At leve et halâl liv

At leve et halâl liv At leve et halâl liv Kyllinger og Halâl-slagtning Wakf & Munida 2010-2011 Wakf.com Munida.dk Hvorfor overhovedet Halâl og Harâm 1. Det første er, at man må vide, at erklære noget for Halâl og Harâm er

Læs mere

الكاثوليكية المتروبوليت حبيب باشا

الكاثوليكية المتروبوليت حبيب باشا الت ع ليم المس يحي للك نيسة الكاثوليكية عرب ه عن الطبعة الالتيني ة األصلي ة المتروبوليت حبيب باشا المطران يوحن ا منصور المطران كيرل س سليم بسترس األب حن ا الفاخوري الئحة االختزاالت آ ك ل آ ل آ ك ي آ ي

Læs mere

تعدد الطرق لحل مسائل رياضية

تعدد الطرق لحل مسائل رياضية تعدد الطرق لحل مسائل رياضية بقلم: األستاذة سناء نص ار مدرسة البطوف الشاملة أ - عرابة إن تحفيز التالميذ على البحث عن طرق متعددة لحل مسألة رياضية من شأنه أن يثير الرغبة لديهم في موضوع الرياضيات وهو يخلق

Læs mere

ت) مجموعة أجزاء مجموعة ث) خمعط فان عنوان الدرس :

ت) مجموعة أجزاء مجموعة ث) خمعط فان عنوان الدرس : المجمعات التطبيقات ألى باكالريا علم رياضية 1.I مجمعة جزء مجمعة..1 مفاهمي أمية أ) اجملمعات ب) الاهامتء ت) حتديد مجمعة بتفصيل أ ابدراك ث) خمعط فان عنان الدرس.2 جزء مجمعة أ) تعريف ب) امتضمن ت) مجمعة أجزاء

Læs mere

الجزائر المعاصر - الجزء األول -

الجزائر المعاصر - الجزء األول - تاريخ الجزائر المعاصر - الجزء األول - 2 الحقوق كافة محفوظة التحاد الكت اب العرب البريد االلكتروني: E-mail :unecriv@net.sy aru@net.sy موقع اتحاد الكت اب العرب على شبكة اإلنترنت www.awu-dam.com 3 الدكتور

Læs mere

2. راتبة دإةل درإسة تغريإت دإةل عموميات حول الدوال العددية أولى باكالوريا علوم رياضية معرفة على اصطالحا نقول أن : مجموعة تعر ف الدالة.

2. راتبة دإةل درإسة تغريإت دإةل عموميات حول الدوال العددية أولى باكالوريا علوم رياضية معرفة على اصطالحا نقول أن : مجموعة تعر ف الدالة. عمميات حل الدال العددية ألى باكالريا علم رياضية 1 عنان الدرس I عمميات حل الدال تذكري إضافات 1 دإةل عددية مجمعة إلتعريف زجية دإةل منحىن دإةل راتبة دإةل درإسة تغريإت دإةل درإسة إشارة دإةل مقارنة دإلتني 4

Læs mere

At stemme eller ikke at stemme? Er det virkelig spørgsmålet

At stemme eller ikke at stemme? Er det virkelig spørgsmålet At stemme eller ikke at stemme? Er det virkelig spørgsmålet Del 3 Disposition 1. Gennemgang af hadîthen: Hvis én blandt jer ser en munkar, så lad ham da fjerne den 2. Opsamling 3. Udtalelser fra Ulamâ

Læs mere

ل إ ا ا ل ه إ ا ل م ا ل ا ل ل ب ر ا ك ع ل ا ب ر ا ه ل ي ب ى ب ب م ل ا ل د ك م ي د ى آ م م ك ى ي ع ل و ع ل و ى م م ا ل ى إ ا ب د ى ر ك ب ا ا م م م

ل إ ا ا ل ه إ ا ل م ا ل ا ل ل ب ر ا ك ع ل ا ب ر ا ه ل ي ب ى ب ب م ل ا ل د ك م ي د ى آ م م ك ى ي ع ل و ع ل و ى م م ا ل ى إ ا ب د ى ر ك ب ا ا م م م ه م مح م ر ه د س و ل ا ل ا ل ا ل إ ا ا ل ه إ ا ل غ ا ه م ل ب ى ب ب ب ك م ا ل ه ا ل د ب ك ش ى ا ل ع ل خ ص ا ل ه سب ب م ت ي ل ع ح و آ ل ه ل ص و ا ع ل ي ي ه ب ل ج م ي د. ك م ي د مب ر ا ه ل ي م. إ ا ن آ إ

Læs mere

مجموعة إرشادات إعداد تقارير GRI. Version 3.0

مجموعة إرشادات إعداد تقارير GRI. Version 3.0 RG مجموعة إرشادات إعداد تقارير االستدامة )RG( 2000-2006 GRI Version 3.0 RG: إرشادات إعداد تقارير االستدامة RG قائمة احملتويات متهيد التنمية املستدامة ومبادرة اإللتزام بالشفافية مقدمة نظرة عامة على تقرير

Læs mere

Inde 2004 EXERCICE I. CHUTE LIBRE ET PARACHUTISME القفزة الكبرى.

Inde 2004 EXERCICE I. CHUTE LIBRE ET PARACHUTISME القفزة الكبرى. السقوط الرأسي باحتكاك فيزياء تارودانت Inde 2004 EXERCICE I. CHUTE LIBRE ET PARACHUTISME الا نترنت مرتبطة بمشروع " القفزة يهدف هذا التمرين في خطوة أولى إلى تحليل معلومات واردة بموقع على قفزة تقليدية بواسطة

Læs mere

فاعلية إدارة الوقت لدى مديري مدارس التعليم العام في ينبع

فاعلية إدارة الوقت لدى مديري مدارس التعليم العام في ينبع المملكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة طيبة كلية التربية قسم اإلدارة التربوية فاعلية إدارة الوقت لدى مديري مدارس التعليم العام في ينبع مشروع تخرج مقدم إلى قسم اإلدارة التربوية الستكمال متطلبات

Læs mere

جامعة محمد خيضر * كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية _ قطب شتمة _ قسم العلوم اإلنسانية شعبة التاريخ عنوان المذكرة:

جامعة محمد خيضر * كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية _ قطب شتمة _ قسم العلوم اإلنسانية شعبة التاريخ عنوان المذكرة: وزارة التعليم العالي و البحث العلمي جامعة محمد خيضر * بسكرة * كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية _ قطب شتمة _ قسم العلوم اإلنسانية شعبة التاريخ عنوان المذكرة: مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في تخصص التاريخ

Læs mere

ﻞـﻴﻠـﺠﻟا ﺔـﻴﻌﻤﺟ زﺎـــﻛر ﻞﻣﺮـﻜﻟا ىﺪـﻣ مﻼــﻋإ :ﻞﻤﻌﻟا قﻮﺳ ﻲﻓ تﺎﻴﺑﺮﻌﻟا ءﺎﺴﻨﻟا ﻢﺳﺮﻟ تﺎﺣاﺮﺘﻗاو ﺔﻴﺒﻳﺮﺠﺗ تﺎﻘﻴﺒﻄﺗ ﺔﻣﺎﻋ تﺎﺳﺎﻴﺳ تﺎﺳﺎﻴﺳ ﺔﻗرو يرﺎﻌﻴﻣ ﻲﻣﺎﺳ.

ﻞـﻴﻠـﺠﻟا ﺔـﻴﻌﻤﺟ زﺎـــﻛر ﻞﻣﺮـﻜﻟا ىﺪـﻣ مﻼــﻋإ :ﻞﻤﻌﻟا قﻮﺳ ﻲﻓ تﺎﻴﺑﺮﻌﻟا ءﺎﺴﻨﻟا ﻢﺳﺮﻟ تﺎﺣاﺮﺘﻗاو ﺔﻴﺒﻳﺮﺠﺗ تﺎﻘﻴﺒﻄﺗ ﺔﻣﺎﻋ تﺎﺳﺎﻴﺳ تﺎﺳﺎﻴﺳ ﺔﻗرو يرﺎﻌﻴﻣ ﻲﻣﺎﺳ. النساء العربيات في سوق العمل: تطبيقات تجريبية واقتراحات لرسم سياسات عامة جمعية الجليل الجمعية العربية القطرية للبحوث والخدمات الصحية ركاز بنك املعلومات حول املجتمع الفلسطيني في إسراي يل مدى الكرمل املركز

Læs mere

الكأس وا جمل د جريج هاريس ترمجة: جورج نور عيسى طنوس

الكأس وا جمل د جريج هاريس ترمجة: جورج نور عيسى طنوس الكأس وا جمل د يف جمد د روس اهلل وآالم اإلنسان جريج هاريس ترمجة: جورج نور عيسى طنوس 1 فصول الكتاب 2 الفصل األول الربية يف صقيع فجر ذات يوم اثنني نزلت إىل طابق التسوية غري املكتمل إنشاؤه حيثكان مكتيب الصغري.

Læs mere

انطاليا 3 ليالياسطنبول 4 ليالي

انطاليا 3 ليالياسطنبول 4 ليالي انطاليا 3 ليالياسطنبول 4 ليالي طفل بدون سرير 06-02 ابتداء من 21 تموز كل ثالثاء وجمعة االسعار بالدينار االردني الطفل 12-06 الفترة الى من - اسماء الفنادق الشخص في الغرفة المزدوجة الثالثية المفردة ANTALYA

Læs mere

الصدمات املناخية : اخملاطر والضعف في عالم متفاوت

الصدمات املناخية : اخملاطر والضعف في عالم متفاوت 2 الصدمات املناخية : اخملاطر والضعف في عالم متفاوت إن الدول األكثر عرضة للخطر هي نفسها الدول األقل قدرة على حماية نفسها وهي نفس الدول ذات املساهمة األدنى في انبعاثات غاز االحتباس احلراري. وستدفع هذه الدول

Læs mere

نشرة غير دورية - العدد الرابع - اغسطس 9002 تصدرها الجمعية المصرية لرعاية وسالمة الغواص المصري

نشرة غير دورية - العدد الرابع - اغسطس 9002 تصدرها الجمعية المصرية لرعاية وسالمة الغواص المصري الغواص المصري نشرة غير دورية - العدد الرابع - اغسطس 9002 تصدرها الجمعية المصرية لرعاية وسالمة الغواص المصري أسرة التحرير رئيس مجلس االدارة ربان/ محسن الجوهري رئيس التحرير شريف شكري المستشار القانوني أحمد

Læs mere

الفهرس القسم 10: الذرات القسم 10: النوى...13

الفهرس القسم 10: الذرات القسم 10: النوى...13 البنية الذر ية واإللكترونية مصادر إضافية للمطالعة: Davies, D.A., Waves, Atoms and Solids, Longman, 1978..0 الموجات الذر ات و المواد الصلبة DeKock, R.L., Chemical Structure and Bonding, Benjamin, 1980..2

Læs mere

تطبيق : النواس المرن :

تطبيق : النواس المرن : * الدراسة الطقوية للنواس المرن : نعتبر الوضع المرجعي للطاقة الكامنة الثقالية هو المستوي األفقي الذي يتحرك فوقه الجسم Pe v و نهمل االحتكاك بنوعيه : بالتعويض نجد : t cos t sin و بالتالي : و لدينا t cos t

Læs mere

الولي والمجتمع تاريخ الخوف بالمغرب الحديث

الولي والمجتمع تاريخ الخوف بالمغرب الحديث الولي والمجتمع : تاريخ الخوف بالمغرب الحديث مدخل لدراسة محمد المهناوي كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية الجديدة من هنا بدأ تاريخ الخوف. I 1 حسين مروة.111-211 2 محمد القبلي : النزعات المادية في الفلسفة العربية

Læs mere

Udarbejdet af: Kaldet til Islam. Facebook: Abu-Kaldet Til-Islam. Web: Dato:

Udarbejdet af: Kaldet til Islam. Facebook: Abu-Kaldet Til-Islam. Web:   Dato: Downloaded from: justpaste.it/gkny Dem som glemmer Allah Udarbejdet af: Kaldet til Islam Facebook: Abu-Kaldet Til-Islam Web: www.kaldettilislam.com Dato: 08.08.2014 ب سم الل ه الر حم ن الر ح يم I Allahs

Læs mere

)200( الرأى العام )3(

)200( الرأى العام )3( أ. د. مختار التهامى كلية اإلعالم - جامعة القاهرة أ. د. عاطف عدلى العبد مدير مركز بحوث كلية اإلعالم جامعة القاهرة )200( )3( 3 احملتويات 5 7 128-11 13 45 69 89 107 278-129 131 163 كيف نتناول محتوى هذا املقرر...

Læs mere

دور االتصال اإلداري يف تطوير اإلدرة الرايضية دراسة ميدانية مبديرية الشباب والرايضة لوالية الوادي بوعروري جعفر السنة اجلامعية : 5102/5102

دور االتصال اإلداري يف تطوير اإلدرة الرايضية دراسة ميدانية مبديرية الشباب والرايضة لوالية الوادي بوعروري جعفر السنة اجلامعية : 5102/5102 جامعة دمحم خيضر - بسكرة- معهد علوم و تقنيات النشاطات البدنية والرايضية قسم اإلدارة والتسري الرايضي مذكرة خترج ضمن متطلبات نيل شهادة املاسرت يف علوم وتقنيات النشاطات البدنية والرايضية ختصص: تسري منشآت الرايضية

Læs mere

ﺕﺎﻔﻳﺮﻌﺘﻟﺍ ﻩﺬﻫ ﻞﴰﺃ ﻦﻣ ﺪﻌﻳ ﻱﺬﻟﺍ ﻒﻳﺮﻌﺘﻟﺍ ﻑﺩﺎـﻫ ﻲﻤﻛ ﻒﺻﻭ ﱃﺇ ﻝﻮﺻﻮﻟﺍ ﻞﺟﺃ ﻦﻣ ﺎﻬﻘﻴﺒﻄﺗ ﻢﺘﻳ ﺚﲝ ﺔﻘﻳﺮﻃ ﻦﻋ ﺓﺭﺎﺒﻋ

ﺕﺎﻔﻳﺮﻌﺘﻟﺍ ﻩﺬﻫ ﻞﴰﺃ ﻦﻣ ﺪﻌﻳ ﻱﺬﻟﺍ ﻒﻳﺮﻌﺘﻟﺍ ﻑﺩﺎـﻫ ﻲﻤﻛ ﻒﺻﻭ ﱃﺇ ﻝﻮﺻﻮﻟﺍ ﻞﺟﺃ ﻦﻣ ﺎﻬﻘﻴﺒﻄﺗ ﻢﺘﻳ ﺚﲝ ﺔﻘﻳﺮﻃ ﻦﻋ ﺓﺭﺎﺒﻋ منهج تحليل المحتوى تطبيقات على مناهج البحث محمد بن عمر المدخلي الحمد االله رب العالمين والصلاة والسلام على ا شرف الا نبياء والمرسلين. ا ما بعد فلقد كلفني سعادة الدكتور صالح العساف ببحث حول منهج تحليل المحتوى

Læs mere

Fastens søjler أركان الصوم

Fastens søjler أركان الصوم Fastens søjler أركان الصوم Intentionen النية (تبييت) Tabyît (تعيين) Ta yîn (تكرار) Tikrâr Afholdelse fra al- Mufattirât fra daggry til solnedgang اإلمساك عن املفطرات من طلوع الفجر إىل غروب الشمس (املفطرات)

Læs mere

بخصوص التفتيش الذاتي في المتاجر والمطاعم

بخصوص التفتيش الذاتي في المتاجر والمطاعم وزارة األغذية والزراعة والثروة السمكية بخصوص التفتيش الذاتي في المتاجر والمطاعم مساعدة للمحال التجارية والمطاعم إلستحداث نظام للتفتيش الذاتي سواء بالنسبة للتفتيش الذاتي الخطي أو الممارسات الجيدة في العمل

Læs mere

مركز د ارسات اللغة العربية وآدابها فهرسة وتمهيد:

مركز د ارسات اللغة العربية وآدابها فهرسة وتمهيد: جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمي ة مركز د ارسات اللغة العربية وآدابها دليل الدراسات البيني ة العربي ة في اللغة واألدب واإلنسانيات فهرسة وتمهيد د نو ارلدين بنخود 0 تمهيد الد ارسات البيني ة مفهومها نشأتها

Læs mere

األوراق العلمية للمؤمتر السعودي األول لرعاية األيتام باململكة العربية السعودية

األوراق العلمية للمؤمتر السعودي األول لرعاية األيتام باململكة العربية السعودية األوراق العلمية للمؤمتر السعودي األول لرعاية األيتام باململكة العربية السعودية اللجنة املنظمة للمؤمتر معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السويلم أ. صالح بن عبد الله اليوسف عبد العزيز الدخيل عبد الله

Læs mere

الرقابة القضائية على مشروعية القرارات اإلدارية في التشريع الجزائري

الرقابة القضائية على مشروعية القرارات اإلدارية في التشريع الجزائري جامعة الوادي Université d'el Oued كلية الحقوق والعلوم السياسية INSTITUT DE DROIT ET DE SCIENCES POLITIAUS قسم الحقوق الرقابة القضائية على مشروعية القرارات اإلدارية في التشريع الجزائري مذكرة تخرج لنيل الماجستير

Læs mere

الدليل الصغير لإلقالع عن التدخين

الدليل الصغير لإلقالع عن التدخين الدليل الصغير لإلقالع عن التدخين المحتويات إلتقي بمدخن سابق... 4 على الطريق... 6 توق ف...10 اثبت...20 قريبا وداعا للتدخين الترويسة الدليل الصغير لإلقالع عن التدخين الدائرة الصحية 2010 اإلصدار األول الطبعة

Læs mere

البقاء على قيد الحياة

البقاء على قيد الحياة ديفيد لويد روبرتس البقاء على قيد الحياة المبادئ التوجيهية للسالمة واألمن للمتطوعين اإلنسانيين في مناطق النزاع International Committee of the Red Cross 19 Avenue de la Paix 1202 Geneva, Switzerland T +41

Læs mere

نظام الرعاية الصحية في الدانمارك. Det danske sundhedsvæsen

نظام الرعاية الصحية في الدانمارك. Det danske sundhedsvæsen نظام الرعاية الصحية في الدانمارك Det danske sundhedsvæsen 2016 Det danske sundhedsvæsen Denne pjece fortæller kort om det danske sundhedsvæsen, og om de forskellige steder, man kan blive undersøgt og behandlet,

Læs mere

دراسة ميدانية لعينة من الزوجات الالتي قمن بالخيانة الزوجية في والية عين الدفلى

دراسة ميدانية لعينة من الزوجات الالتي قمن بالخيانة الزوجية في والية عين الدفلى و ازرة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة الجياللي بونعامة بخميس مليانة كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية قسم العلوم االجتماعية عنوان المذكرة: الخيانة الزوجية في المجتمع الجزائري )األسباب والعوامل ( دراسة

Læs mere

جامعة وهران 2 كلية العلوم االجتماعية قسم علم النفس وعلوم التربية واألرطوفونيا أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علم النفس العيادي و المرضي

جامعة وهران 2 كلية العلوم االجتماعية قسم علم النفس وعلوم التربية واألرطوفونيا أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علم النفس العيادي و المرضي جامعة وهران 2 كلية العلوم االجتماعية قسم علم النفس وعلوم التربية واألرطوفونيا أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علم النفس العيادي و المرضي من إعداد : أمال غزال تحت إشراف :الدكتور حسين فسيان أعضاء لجنة المناقشة

Læs mere

KURSISTFOLDER OKTOBER

KURSISTFOLDER OKTOBER KURSISTFOLDER OKTOBER ALLE LØRDAGE I OKTOBER MÅNED KL. 10-14. På alle disse lørdage er Naturcenteret bemandet af frivillige kræfter, som sørger for at gæster kan bruge stedets faciliteter. Der vil være

Læs mere

الدكتور ارفع بن عاشور

الدكتور ارفع بن عاشور ثناي ي ة الحكم في الدستور التونسي الصادر في 7 0 الدكتور ارفع بن عاشور را ر 0 7 اكتسبت لقد تونس أخي ار في الثالث دستورها في تاريخها المعاصر. ويفترض أن ي نهي هذا الدستور الجديد الذي أطلقت عليه تسمية دستور

Læs mere

فضل العمرة في شهر رمضان ووقتها

فضل العمرة في شهر رمضان ووقتها فضل العمرة في شهر رمضان ووقتها إعداد أ.د. سعد بن عبد العزيز الشويرخ األستاذ بقسم الفقه كلية الشريعة بالرياض جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية أ.د. سعد بن عبد العزيز الشويرخ ملخص البحث يتناول البحث فضل

Læs mere

العلوم اإلنسانية واإلجتماعية العلوم اإلجتماعية الموضوع

العلوم اإلنسانية واإلجتماعية العلوم اإلجتماعية الموضوع الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة محمد خيضر- بسكرة كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية قسم العلوم اإلجتماعية علم النفس شعبة الموضوع مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر

Læs mere

SGB II [الجزء الثاني من قانون الشؤون االجتماعية]

SGB II [الجزء الثاني من قانون الشؤون االجتماعية] arabische Übersetzung صحيفة معلومات معونة البطالة 2/ المعونة االجتماعية الضمان األساسي للعاطلين عن العمل SGB II [الجزء الثاني من قانون الشؤون االجتماعية] ةمدقم مقدمة صحيفة المعلومات هذه بشأن الجزء الثاني

Læs mere

Almene boliger for alle - ARABISK - side 1

Almene boliger for alle - ARABISK - side 1 Almene boliger for alle - ARABISK - side 1 مساكن شعبية للجميع المقدمة المعلومات التالية هي معلومات عامة وتوجيهية وي عم ل بها في معظم المنظمات اإلكساايية ويمان لبعض المنظمات اإلكساايية أن تعتمد قواعد أخرى

Læs mere

i باركنا. @

i باركنا.  @ óïjé Üa@óï a Õº Üa@óî a a@óîšíéá a وزارة التعليم العالي و البحث العلمي جامعة الحاج لخضر باتنة كلية الاداب و العلوم الانسانية قسم التاريخ و الاثار موقف الحاج ا مين الحسيني و عز الدين القسام من القضية الفلسطينية

Læs mere

ORDLISTE. Herunder ses ordlisten oversat til: Engelsk Arabisk Somali Tigrinya. Behaviour the way one acts or reacts, actions

ORDLISTE. Herunder ses ordlisten oversat til: Engelsk Arabisk Somali Tigrinya. Behaviour the way one acts or reacts, actions ORDLISTE Beskrivelserne af ordenes betydning i denne liste er målrettet brug i MindSpring-forløb. Således findes også andre definitioner og betydninger af ordene, som er fravalgt i beskrivelserne i denne

Læs mere

0 برنامج االجندة الوطنية لمستقبل سوريا

0 برنامج االجندة الوطنية لمستقبل سوريا 0 برنامج االجندة الوطنية لمستقبل سوريا 1 1 برنامج االجندة الوطنية لمستقبل سوريا تم اعداد هذه الوثيقة من قبل الدكتور إبراهيم دراجي بالتعاون مع خبراء الحوكمة محور والتحول الديمقراطي وبناء المؤسسات في برنامج

Læs mere

النظام القانوني لعقد التأمين

النظام القانوني لعقد التأمين جامعة قاصدي مرباح ورقلة كلية الحقوق و العلوم السياسية قسم الحقوق مذكرة مقدمة إلستكمال متطلبات شهادة ليسانس أكاديمي الميدان : الحقوقو العلوم السياسية شعبة : الحقوق مقدمة من قبل الطالب : ليتيم حسين العنوان

Læs mere

ثنائي القطب RC. ) 1 المكثفات : ( condensateurs ) les

ثنائي القطب RC. ) 1 المكثفات : ( condensateurs ) les ثنائي القطب فرق الجهد بين سحابة و سطح األرض يمكن أن يصل إلى 10 9 V مباشرة قبل حدوث البرق الطاقة المختزنة في هذه المجموعة الطبيعية تستعاد خالل البرق. مركبة كهربائية تسمى المكثف تختزن الطاقة بنفس الشكل...

Læs mere

األديب إبراهيم نصر اهلل

األديب إبراهيم نصر اهلل إبراهيم نصر هللا: األدب تنقية للذاكرة وأنسنة للتاريخ األديب إبراهيم نصر اهلل موسوعة أبحاث ودراسات في األدب الفلسطيني الحديث الجزء الرابع عبد هللا بريمي موسوعة أبحاث ودراسات في األدب الفلسطيني الحديث الجزء

Læs mere

- 1 الحرارة ودرجة الحرارة

- 1 الحرارة ودرجة الحرارة GUEZOURI A Lycée Maraval Oran المستوى : السنة الثانية ثانوي الوحدة 04 الطاقة الداخلية ماذا يجب أن أعرف حتى أقول : إني استوعبت هذا الدرس يجب أن أفر ق بين الحرارة ودرجة الحرارة يجب أن أعرف مصدر الطاقة الداخلية

Læs mere

دليل املستخدم إلى قياس تقدمي اخلدمات األساسية املراعية لالعتبارات اجلنسانية

دليل املستخدم إلى قياس تقدمي اخلدمات األساسية املراعية لالعتبارات اجلنسانية دليل املستخدم إلى قياس تقدمي اخلدمات األساسية املراعية لالعتبارات اجلنسانية covera دليل المستخدم إلى قياس تقديم الخدمات األساسية المراعية لالعتبارات الجنسانية حقوق الطبع والنشر 2009 مملوكة لبرنامج األمم

Læs mere

كتاب»كيف نسقط الستبداد«

كتاب»كيف نسقط الستبداد« كتاب»كيف نسقط الستبداد«1 معطيات تقنية حول كتاب :»كيف نسقط الستبداد«الكاتب : عبد الرحمان النوضة عنوان الكتاب : كيف نسقط الستبداد العن!!وان الفرع ي للكت اب : ف""ي فن""ون النض""ال الجم""اهيري الس""لمي المشترك

Læs mere

بتاريخ 1 يناير إلى (4 الفصل الا ول "أ": معالجة البيانات الشخصية في المؤسسات الا صلاحية (المواد 4 "أ" - 4

بتاريخ 1 يناير إلى (4 الفصل الا ول أ: معالجة البيانات الشخصية في المؤسسات الا صلاحية (المواد 4 أ - 4 قانون تنفيذ العقوبات الجنائية الخ. LOV-2001-05-18-21 (قانون العقوبات) التاريخ الوزارة تاريخ آخر تعديل تاريخ النشر تاريخ النفاذ تعديلا ل صدر بعنوان موجز العدالة والا من العام LOV-2016-12-16-98 عام 2001

Læs mere

الجرائم في األردن حول المعدل وتواكب ثورة المعلوماتية

الجرائم في األردن حول المعدل وتواكب ثورة المعلوماتية هاتفان ------------ 2 3 4 حرب التفسيرات تندلع.. وتسريب ونفي الستقالة حماي م االخوان الحكومات الا طول عمر ا تتمادى في أداء غير ديمقراطي السعودية ال تعتمد شهادات جامعة ا ل البيت األسعار في ارتفاع وإعادة

Læs mere

بكالوريا 8102 العلوم الفيزيائية / شعبة العلوم التجريبية الموضوع األول

بكالوريا 8102 العلوم الفيزيائية / شعبة العلوم التجريبية الموضوع األول 4 4,. )أ نقل t t التمرين األل. على المحر بكالريا 8 العلم الفيزيائية شعبة العلم التجريبية المضع األل من البيان معادلة البيان من الشكل At. إذن الحركة منتظمة تتناسب الفاصلة مع الزمن إذن السرعة ثابتة بالتالي

Læs mere

ISSN تقديم :

ISSN تقديم : ص ) الجامعة الا سلامية العالمية شيتاغونغ ISSN 1813-7733 المجلد الثالث, ديسمبر 2006 م 114-105) موقف المستشرقين من الوحي: دراسة تحليلية محمد رشيد زاهد تقديم : لقد وقف الاستشراق من القرا ن الكريم موقفه من

Læs mere

دليل علم لغة الجسد. ترجمة من الموقع الكندي www.synergologie.com ترجمة : محمد عبد للرحمن سبحانه. 1 أصول علم لغة الجسد دليل علم لغة الجسد. ترجمة من الموقع الكندي www.synergologie.com هي لغة تواصل حديثة تعتمد

Læs mere

Vaticano. Stato della Città del Vaticano. Inno e Marcia Pontificale

Vaticano. Stato della Città del Vaticano. Inno e Marcia Pontificale of 25 5/8/2014 7:49 PM إحداثيات: 41.904 N 12.453 E من ويكيبيديا الموسوعة الحرة الفاتيكان Vaticano دولة مدينة الفاتيكان Stato della Città del Vaticano مدينةالفاتيكان (باإليطالية: (Città del Vaticano المعروفةرسمي

Læs mere

الرقم: 9 ICC-01/05-01/08 OA دائرة االستئناف الحالة في جمهورية أفريقيا الوسطى في قضية المدعي العام ضد جان-بيير بمبا غومبو

الرقم: 9 ICC-01/05-01/08 OA دائرة االستئناف الحالة في جمهورية أفريقيا الوسطى في قضية المدعي العام ضد جان-بيير بمبا غومبو ICC-01/05-01/08-1937-Red2-tARB 18-03-2015 1/29 EK T OA9 الرقم: 9 ICC-01/05-01/08 OA األصل: إنكليزي دائرة االستئناف تاريخ الوثيقة األصلية: الثاني/نوفمبر 2011 تشرين 23 تاريخ النسخة العلنية المحجوبة منها

Læs mere

النقطة التي تقسم الخط المستقيم إلى قطعتين متساويتين في الطول. أما مركز القوس فهو مركز دورانه

النقطة التي تقسم الخط المستقيم إلى قطعتين متساويتين في الطول. أما مركز القوس فهو مركز دورانه مبادئ الهندسة المستويه النقطة والخط المستقيم والمستوى تقوم الهندسة على نقاط وخطوط وسطوح تماما كما هو الحال في اللغة التي تتكون من الحرف اللغوي والكلمة والجملة. ونحن إن عقدنا مقارنة مجازية بين الهندسة ولغة

Læs mere

جامعة محمد الصديق بن يحي جيجل - كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية قسم علم اإلجتماع

جامعة محمد الصديق بن يحي جيجل - كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية قسم علم اإلجتماع جامعة محمد الصديق بن يحي جيجل - كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية قسم علم اإلجتماع مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثالثة علم اجتماع اإلتصال إعداد: د/ حديدان صبرينة الموسم الجامعي: 206 /205 المحتويات الصفحة

Læs mere

UNDERSØGELSER AF DET UFØDTE BARN ARABISK فحوصات الطفل وهو في بطن ا مه

UNDERSØGELSER AF DET UFØDTE BARN ARABISK فحوصات الطفل وهو في بطن ا مه UNDERSØGELSER AF DET UFØDTE BARN ARABISK فحوصات الطفل وهو في بطن ا مه Information Allerede nu kan du få information om undersøgelser af dit ufødte barn for visse medfødte sygdomme og handicap. Ja? Hvis

Læs mere

فضيلة الشيخ العابديــن بن حنفيـة إنه لباطل أن يقال أن مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني حتارب عقيدة التوحيد!..

فضيلة الشيخ العابديــن بن حنفيـة إنه لباطل أن يقال أن مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني حتارب عقيدة التوحيد!.. على بصيـرة أ. د. عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين طــالع ص 03 الباحـــث اجلزائــــري جيــاللي الـمستــاري فـي حـوار حصـري جلريـــدة البصائـــر لسان حال جمعية العلماء املسلمني اجلزائريني

Læs mere

إرسال األموال إلى الوطن في أفريقيا أسواق التحويالت والبيئة التمكينية واآلفاق

إرسال األموال إلى الوطن في أفريقيا أسواق التحويالت والبيئة التمكينية واآلفاق 100 إرسال األموال إلى الوطن في أفريقيا أسواق التحويالت والبيئة التمكينية واآلفاق مقدمة دأب الناس منذ قرون على عبور احلدود بحثا عن فرص أفضل ألنفسهم وألسرهم. وتسارعت وتيرة هذه الظاهرة في ظل التطو ر املستمر

Læs mere

( ) Allal mahdade Page 1. F = k u. q.q F F k. 1 4 πε = 4, F k.e. Atome et mecanique de Newton. G = 6, N.m.

( ) Allal mahdade  Page 1. F = k u. q.q F F k. 1 4 πε = 4, F k.e. Atome et mecanique de Newton. G = 6, N.m. الذرة ومكانيك نيوتن Atome et mecaique de Newto خاص بالعلوم الرياضية والعلوم التجريبية مسلك العلوم الفيزيائية I حدود ميكانيك نيوتن قانون نيوتن وقانون كولم أ قانون نيوتن : التأثير البيني التجاذبي جسمان نقطيان

Læs mere

الموضوع RS28 الفيزياء والكيمياء شعبة العلوم التجريبية مسلك العلوم الفيزيائية

الموضوع RS28 الفيزياء والكيمياء شعبة العلوم التجريبية مسلك العلوم الفيزيائية الصفحة الدورة ااستدراكية 0 الموضوع S8 7 الفيزياء والكيمياء شعبة العلوم التجريبية مسلك العلوم الفيزيائية يس ح باستع ا اآل الحاسب العل ي غي القابل للب مج تعطى التعابي الح في قبل إنجا التطبيقا العددي يتض

Læs mere

دليل استخدام الربنامج

دليل استخدام الربنامج جامعة عني مشس كلية الرتبية قسم املناهج وطرق التدريس ملحق )3( إعداد الباحث حممد أمحد مطهر آل املطهر إشراف أ.د/ فايز مراد مينا أستاذ املناهج وطرق تدريس الرياضيات كلية الرتبية جامعة عني مشس غري املتفرغ د/

Læs mere

المسؤولية المجتمعية للمنظمات: آليات االنتقال نحو تنمية مستدامة

المسؤولية المجتمعية للمنظمات: آليات االنتقال نحو تنمية مستدامة المسؤولية المجتمعية للمنظمات: آليات االنتقال نحو تنمية مستدامة تقرير المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي إحالة ذاتية رقم 2016/26 www.cese.ma المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي المسؤولية المجتمعية للمنظمات:

Læs mere

ل د م ز ا 1 و پ ن ا م ا د ی ع س ز د م ح م ر غ ص ا ی ص ا ن م ی ر م ی

ل د م ز ا 1 و پ ن ا م ا د ی ع س ز د م ح م ر غ ص ا ی ص ا ن م ی ر م ی د- ی ع س ه د ا ف ت س ا ا ب ی ر گ ش د ر گ ی ا ه ص خ ا ش ظ ا ح ل ز ا ن ا ت س ز و خ ن ا ت س ا ی ا ه ن ا ت س ر ه ش ی د ن ب ه ب ت ر TOPSIS ل د م ز ا ر و پ ن ا م ا د ی ع س ز ا و ه ا ن ا ر م چ د ی ه ش ه ا گ ش

Læs mere

حكامة منظومة التربية والتكوين باملغرب

حكامة منظومة التربية والتكوين باملغرب تقييم تطبيق توصيات امليثاق الوطني للتربية والتكوين 2013-2000 حكامة منظومة التربية والتكوين باملغرب تقييم تطبيق توصيات امليثاق الوطني للتربية والتكوين 2013-2000 أجنزت هذه الدراسة من طرف مكتب الدراسات Co-efficience

Læs mere

تطبيقات قوانني نيوتن ( احلركات املستوية ) Quelques applications des lois de Newton

تطبيقات قوانني نيوتن ( احلركات املستوية ) Quelques applications des lois de Newton -1 مادة العلم الفيزيائية الميكانيك بعض تطبيقات قانين نيتن الثانية باكالريا الفيزياء حركة قذيفة في مجال الثقالة المنتظم : 1-1- المعادالت التفاضلية : بعض تطبيقات قانني نيتن ( احلركات املستية ) Quelques applications

Læs mere

راثلا نع فشكلا بيلاساو يرثلا حسملا -ب

راثلا نع فشكلا بيلاساو يرثلا حسملا -ب الستاذ: عبدالقادر دحدوح كلية العلوم النسانية والعلوم الجتماعية قسم التاريخ والثار المقياس: مدخل الى علم الثار وتقنياته المستوى: الولى والثالثة آثار المحتوى: أ- مدخل الى علم الثار والتنقيب 1- تعريف علم

Læs mere

ر گ ش د ر گ ه ن و م ن ق ط ا ن م ر د ی ر ا ذ گ ه ی ا م ر س ی د ن ب ت ی و ل و ا 1

ر گ ش د ر گ ه ن و م ن ق ط ا ن م ر د ی ر ا ذ گ ه ی ا م ر س ی د ن ب ت ی و ل و ا 1 ه) د ن س و ن ه) ع ل ا ط م ش ه و ژ پ - م ل ع ه م ا ن ل ص ف ) ا ه ق ط ن م ز ر ه م ا ن ر ب ( ا ف ا ر غ ج 1 ن ا ت س ب ا ت ه ر ا م ش م ت ش ه ل ا س - : ص ص ر گ ش د ر گ ه ن و م ن ق ط ا ن م ر د ر ا ذ گ ه ا م ر

Læs mere

I = t dq dt. dq i = dt

I = t dq dt. dq i = dt الجزء الثالث الكهرباء I المكثفات : )تعريف المكثف: ثناي ي القطب المكثف ثناي ي قطب يتكون من لبوسين (وهما عبارة عن موصلين متقابلين) يفصل بينهما عازل استقطابي و يرمز للمكثف في دارة آهرباي ية بين نقطتين BوAبالرمزالتالي

Læs mere

1.2 -النقص الكتلي. النوى- الكتلة والطاقة Noyau- Masse et énergie 1 التكافو «كتلة-طاقة» 2 طاقة الربط ثانية نتيجة الطاقة الا شعاعية التي تحررها

1.2 -النقص الكتلي. النوى- الكتلة والطاقة Noyau- Masse et énergie 1 التكافو «كتلة-طاقة» 2 طاقة الربط ثانية نتيجة الطاقة الا شعاعية التي تحررها النوىالكتلة والطاقة التكافو «كتلةطاقة». علاقة انشتاين (ste). تغري الطاقة والكتلة عندما تتغري كتلة مجموعة بالمقدار الكتلية لهذه المجموعة هو: النوى_ الكتلة والطاقة /6 النوى الكتلة والطاقة Noyau Masse et

Læs mere

Arabiske film for voksne 2008-2009

Arabiske film for voksne 2008-2009 Arabiske film for voksne أفلام عربية للكبار 2008-2009 للمستعيرين: أصدرت مكتبة المغتربين فهارس تحتوي على عناوين الكتب والموسيقى والا فلام باللغة العربية المشتراة من قبل المكتبة لعام 2008 يمكنك حجز المواد

Læs mere

وزارة التعليم العالي و البحث العلمي

وزارة التعليم العالي و البحث العلمي وزارة التعليم العالي و البحث العلمي - جامعة محمد خيض ر - بسكرة كلية الحقوق و العلوم السياسية قسم الحقوق مشروع مذكرة مكملة من مقتضيات لنيل شهادة الماستر تخصص: قانون أعامل في الحقوق - من إعداد الطالب: عالوة

Læs mere

مها ارت التفكير والبحث العلمي

مها ارت التفكير والبحث العلمي مها ارت التفكير والبحث العلمي إعداد أ. د. سهههههههههههي ر هههههههههها جامعة غزة د. خالههههههد علههههههد ال ههههههو ر مجل البحث العلمي د. لهاءالهههديم أحمهههد العر هههي الكلية الجامعية للعلو الت ي ية د.

Læs mere

Fællesmøde for flygtninge og familiesammenførte. 20. oktober 2015

Fællesmøde for flygtninge og familiesammenførte. 20. oktober 2015 Fællesmøde for flygtninge og familiesammenførte االجتماع المشترك لالجئين و لم الشمل 20. oktober 2015 Dagsorden جدول االعمال Kort introduktion til introduktionsprogrammet og kommunens rolle Orientering

Læs mere